واللام للأمر، المراد به: الإباحة، وليس المراد به: الاستحباب ولا الوجوب؛ لأنه في مقابلة النهي فكان للإباحة كما لو قلت: "زيد لا تكرمه وعمرًا أكرمه" أي: يباح لك أن تكرمه.
في هذا الحديث ينهى الرسول صلى الله عليه وسلم الأمة أن يقدِّموا رمضان، والخطاب للصحابة خطاب للأمة جميعًا، والخطاب للواحد من الصحابة خطاب للصحابة جميعًا، وعليه فإذا وجِّه الخطاب إلى واحد من الصحابة فهو لجميع الأمة، فينهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين؛ لماذا؟ قيل: لأجل أن ينشطوا لاستقبال رمضان؛ لأن الإنسان إذا صام قبل رمضان بيوم أو يومين يأتي رمضان وهو كسلان وتعبان من الصوم السابق، وهذه العلة- كما ترون- عليلة؛ لأنه لو كان كذلك لكان الذي يصوم قبل رمضان بأربعة أيام أشد نهيًا مع أن الحديث يدل على الجواز، وقيل: إن العلة لأجل الفرق بين الفرض والنفل، وهذا قد يكون فيه نظر؛ لأنه لو كانت العلة هكذا لم يكن فرق بين من كان يصوم صومًا ومن لم يكن، ولكان النهي عامًا، وقيل: إن العلة لئلا يفعله الإنسان من باب الاحتياط، فيكون ذلك تنطعًا من باب الاحتياط، كيف؟ لرمضان فيكون هذا من باب التنطع.
وقيل: لئلا يظن الظان أن هذا الصوم من رمضان فيكون قدحًا في الحكم الشرعي الذي علق صوم رمضان برؤية الهلال، وهذا الأخير والذي قبله هو أقرب العلل، أما ما سبق فهي علة عليلة، وهنا علة لكل مؤمن وهي امتثال أمر الله ورسوله، العلة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، ولهذا لما سئلت عائشة رضي الله عنها: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: "كان يصيبنا فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة".
ففي هذا الحديث من الفوائد أولًا: النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين؛ لقوله: "لا تقدموا" وهل هذا النهي للتحريم أو للكراهة؟ فيه قولان لأهل العلم، منهم من قال: إنه للتحريم، ومنهم من قال: بل للكراهة.
الذين قالوا: إنه للتحريم احتجوا بأن الأصل في النهي التحريم إلا بدليل، والذين قالوا إنه للكراهة قالوا: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم استثنى حيث قال: "إلا رجلًا كان يصوم صومًا فليصمه"، ولو كان للتحريم ما جاز أن يصام حتى في العادة بدليل أن أيام التشريق لما كانت حرامًا هل صار صيامها جائزًا إذا كان لعادة أو أنه يبقى حرامًا؟ لا شك في أنه يبقى حرامًا، أيام العيدين لما كان صومها حرامًا كان صوم العيد حرامًا ولو وافق العادة.