الإسلام، أما من تركه تهاونًا فقد اختلف العلماء في كفره، والصحيح أنه لا يكفر، وعن الإمام أحمد رواية أنه يكفر قال: لأنه ركن من أركان الإسلام، والركن هو جانب الشيء الأقوى، وإذا سقط الركن سقط البيت، لكن الصحيح- كما سبق تقريره- أنه لا يكفر بشيء من الأعمال إلا الصلاة كما قال عبد الله بن شقيق عن الصحابة- رضي الله عنهم-.
وتكليف المسلمين بالصيام تظهر فيه حكمة الله عز وجل؛ لأن الله- سبحانه وتعالى- جعل العبادات متنوعة: بذل محبوب وكف عن محبوب وعمل فيه شيء من التعب لكن بدون مشقة، فالزكاة مثلًا بذل محبوب قال تعالى: {وتحبُّون المال حبًّا جمًّا} [الفجر: 20]. ولهذا تجد بعض الناس يحاول- بقدر ما يستطيع- أن يقلل من زكاته أو أن يسقطها، أو أن يصرفها في شيء واجب عليه عرفا، الصيام: "كف عن محبوب"، وانظر ما يحصل فيه من المشقة- مشقة المألوف- فيما إذا كان اليوم شديد الحر طويلًا تجد الإنسان يشتاق اشتياقًا كبيرًا إلى الماء، لكن يعتاد الإنسان على كف النفس بتذكره أنه فرضه الله، أما العمل فمثل الصلاة والوضوء والحج، مع أن الحج فيه أحيانًا بذل محبوب.
الحكمة من هذا التنويع: لأن من الناس من يسهل عليه العمل دون بذل المال، ومن الناس من يسهل عليه بذل المال دون العمل، ومن الناس من يصعب عليه الكف عن المحبوب عن الأكل والشرب والأهل، فلهذا نوَّع الله العبادات ليعلم من يكون عابدًا لله ممن يكون عابدًا لهواه، هذه هي الحكمة في فرضيه الصيام، وإلا فقد يقول قائل: هذا إمساك ما الفائدة هذا ما عمل عملًا؟ فنقول له: أنه ترك محبوبًا قد يكون العمل عليه أهون من ترك هذا المحبوب، فهذه هي الحكمة في إيجاب الصيام على العباد، ثم إن للصيام حكمًا كثيرة أهمها التقوى وهي التي أشار الله إليها بقوله: {يأيها الَّذين ءامنوا كتب عليكم الصِّيام كما كتب على الَّذين من قبلكم لعلَّكم تتَّقون} [البقرة: 183].
ثانيًا: معرفة قدر نعمة الله على العباد بتناول ما يشتهيه من الأكل والشرب والنكاح؛ لأن قدر النعم لا يعرف إلا بضدها كما قيل: "وبضدها تتبين الأشياء"؛ لأن الإنسان إذا كان دائمًا شبعان وريان، ويتمتع بأهله، لا يعرف قدر هذه النعمة، لكن إذا حجب عنها شرعًا أو قدرًا عرف قدر هذه النعمة، إذن ليعرف الإنسان بذلك قدر نعمة الله عليه بتناول الأكل والشرب والنكاح؛ لأنه يفقدها في هذا اليوم فيشكر الله- سبحانه وتعالى- على التيسير.