ثالثًا من فوائده وحكمه: تعويد النفس على الصبر والتحمل حتى لا يكون الإنسان مسرفًا، فإن الإنسان قد يأتيه يوم يجوع فيه ويعطش فيكون هذا الصوم تمرينًا له على الصبر والتحمل على فقد المحبوب، وهذه تربية نفسية.
رابعًا: من الحكم أن يعرف الغني حاجة الفقير فيرق له ويرحمه، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، والإنسان لا يعرف حاجة المضطر إذا كان هو شبعان، لكن إذا جاع عرف قدر الجوع وألمه فيرحم بذلك إخوانه الفقراء.
خامسًا: أن فيه تضييقًا لمجاري الشيطان؛ لأنه بكثرة الغذاء تمتلئ العروق دمًا وترتفع وبقلته تضيق المجاري، ومجاري الدم هي: مسالك الشيطان لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم"، ولهذا أمر الإنسان الذي لا يستطيع الباءة أن يصوم لتضيق مجاري الدم وليقل الشَّبق.
سادسًا: أن فيه حمية عن كثرة الفضولات والرطوبات في البدن، ولهذا بعض الناس يزداد صحة بالصوم؛ لأن الرطوبات التي تلبدت على البدن تتسرب وتزول، حيث إن البدن يضمر وييبس فتتسرب تلك الرطوبات فيكون في ذلك فائدة عظيمة للبدن، وهذا أمر مشاهد.
سابعًا: ما يحصل بين يديه وخلفه من عبادة الله عز وجل، فبين يديه السَّحور، فإن السُّحور عبادة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تسحروا فإن في السحور بركة"، وما يحصل من الإفطار؛ لأن أحب عباد الله إليه أعجلهم فطرًا، فالإنسان يتناول ما يشتهي عبادة عند الإفطار.
ومنها أيضًا: الفائدة الثامنة: أن الغالب على الصائمين التفرغ للعبادة، ولهذا تجد الإنسان في حال الصيام تزداد عبادته وليس يوم فطره ويوم صومه سواء إلا الغافل فله شأن، آخر، لكن الإنسان اليقظ الحازم الفطن الكيِّس يجعل يوم صومه غير يوم فطره.
فلهذه الفوائد ولغيرها مما لم نذكره أوجب الله الصيام على العباد، وليس إيجابه خاصًّا بهذه الأمة، بل هو عام للأمم كلها: {كما كتب على الَّذين من قبلكم}. وقت الصيام.
ثم اعلم أن الصيام خص بشهر معين من السِّنة أشار الله- تبارك وتعالى- إلى الحكمة في تخصيصه بقوله: {شهر رمضان الَّذي أنزل فيه القرءان} [البقرة: 185]. وقد احتج بهذه المناسبة أصحاب أعياد الميلاد وقالوا: هذا دليل على أن المناسبات الدينية يجعل لها خصائص؛ لأن الله