ومنها: أنه لا يجب على الإنسان في اليوم والليلة أكثر من خمس صلوات، ويتفرع على هذه الفائدة أن الوتر ليس بواجب؛ لأن الوتر يومي، ولو كان واجبًا لكان المفروض في اليوم والليلة ست صلوات، أما ما يجب لسبب فإنه لا يمكن أن يستدل بهذا الحديث وأمثاله على انتفاء وجوبه؛ لأن ما يجب بسبب ليس دائرًا بدوران الأيام مثل صلاة الجنازة والكسوف وركعتي الطواف وتحية المسجد وصلاة العيد؛ لأن هذه واجبة بأسباب تحدث، فإيجابها طارئ بخلاف الصلوات اليومية.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الزكاة فرض، نذكر أولًا: لماذا لم يذكر المؤلف الصوم والحج؟ إن قلت: إنهما لم يفرضا، فالجواب: خطأ؛ لأن الصوم فرض في السَّنة الثانية، والحج فرض في السنة التاسعة، وبعث معاذ في السنة العاشرة، إذن ما هو الجواب؟ الجواب أن يقال: إن المسألة مسألة دعوة يدعون إلى الأهم فالأهم، وهو قد بعث إليهم في ربيع الأول بقي على الصوم خمسة شهور، فإذا استقر الإيمان في نفوسهم فإنهم حينئذٍ يؤمرون بالصوم، أي: أن الصوم لم تدع الحاجة إلى الدعوة إليه في ذلك الوقت، وكذلك نقول في الحج؛ لأن الحج باقٍ عليه ثمانية شهور، وهكذا نقول: إن الحكمة في عدم ذكرهما هو أن الوقت لم يحن بعد، فالدعوة إليهما غير مُلحة.
وفي الحديث أيضًا من الفوائد: أن الزكاة فرض لقوله: "افترض"، وأن المرجع في فرض الأشياء إلى الله عز وجل لقوله: "إن الله افترض".
وفيه أيضًا: إطلاق الصدقة على الزكاة خلافًا للعرف، وهذه الفائدة تؤخذ من قوله: "افترض عليهم صدقة"، وكذلك يدل على هذا قوله تعالى: {* إنما الصدقات ... } الآية.
ومن فوائد الحديث: أن الزكاة واجبة في المال لقوله: "في أموالهم".
ويتفرع على هذه الفائدة أن الدَّين لا يمنع وجوب الزكاة مطلقًا، مثال ذلك: رجل عنده ألف درهم وعليه دين مقداره ألف درهم، فهل نقول: إن المال الذي بيده- وهو ألف درهم- لا زكاة عليه لأنه مدين بمثله؟ هذه مسألة فيها خلاف بين العلماء، لكن هذا الحديث يدل على أن الزكاة تجب عليه، وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الزكاة في المال، والدَّين الذي يجب على الإنسان واجب في ذمته وليس في ماله، ولهذا لو تلف ماله فهل يسقط دينه؟ لا يسقط؛ لأنه في ذمته، فالدَّين في الذمة والزكاة في المال، ويشهد لهذا الحديث ويؤيده قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} [التوبة: 103]. والآية عامة، وقوله: {والذين في أموالهم حقٌ معلومٌ} [المعارج: 24].