• وللعلماء في هذه المسألة- وهي مهمة ينبغي للإنسان أن يعرفها- ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنه لا زكاة لمن عليه دين يُنقص النصاب؛ سواء كانت الزكاة واجبة في أموال ظاهرة أم في أموال باطنة، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة- رحمهم الله-.

والقول الثاني: أن الزكاة واجبة في المال؛ سواء كان ظاهرًا أم باطنًا، ولو كان على صاحبه دين، وهذا القول هو القول الراجح الذي تؤيده الأدلة.

والقول الثالث: التفصيل؛ فإن كانت الزكاة واجبة في أموال ظاهرة لم يمنعها الدَّين، وإن كانت واجبة في أموال باطنة فالدَّين مانع لها، لكن ما هي الأموال الظاهرة والباطنة؟ الأموال الظاهرة هي التي تظهر ولا تُحاز في الصناديق مثل بهيمة الأنعام والحبوب والثمار، هذه تُسمى عند أهل العلم الأموال الظاهرة؛ لأنها ظاهرة للناس، كلٌّ يراها، فما حجة هذه الأقوال؟

أما الذين قالوا: إن الدَّين يمنع وجوب الزكاة مطلقًا، فقالوا: لأن الزكاة إنما تجب للمواساة، والذي عليه الدَّين ليس أهلًا للمواساة؛ لأنه هو نفسه يحتاج إلى من يواسيه، وعلى هذا فلا تجب عليه الزكاة، هذا هو تعليلهم مع أنهم يستدلون بآثار.

أما الذين قالوا: إنها لا تمنع وجوب الزكاة في الأموال الظاهرة، فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث السعاة لقبض الزكاة من الأموال الظاهرة ولم يكن يأمرهم أن يستفصلوا: هل عليكم دين أم لا؟ مع أن أصحاب الأموال الظاهرة- ولا سيما أصحاب الثمار- في الغالب أنهم مدينون، ولذلك كان السَّلم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم موجودًا، كانوا يسلفون بالثمار السَّنة والسنتين، وهذا يدل على أنهم يحتاجون للدراهم، فلما لم يأمرهم النبي صل الله عليه وسلم أن يستفصلوا دل هذا على أن الدَّين لا يمنع وجوب الزكاة، ولأن هذه أموال ظاهرة تتعلق بها أطماع الفقراء ويعرفونها، وإذا لم يوجب عليه الزكاة فإن ذلك قد يؤدي إلى فتنة، فإن الفقراء ربما يثورون على الأغنياء ويبدءون بالسرقة من هذه الأموال الظاهرة. هذا هو تعليل من فرق بين هذا وهذا.

وأما الأموال الباطنة فقالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يبعث الناس لأخذها، وأيضًا ليست ظاهرة للفقراء بحيث لو لم تؤد زكاتها.

وأما الذين قالوا بوجوب الزكاة على من عليه دين فقالوا: إن لدينا نصوصًا عامة لم تفرق بين الأموال، وأما قولكم: إن الزكاة وجبت مواساة فنقول: نعم، نحن نوجب على هذا أن يزكي ونواسيهم في إعطائهم من الزكاة، فإذا كان عليه ألف درهم وبيده ألف درهم، قلنا: أخرج زكاة الدراهم خمسًا وعشرين، ونحن نعطيك من زكاتنا خمسًا وعشرين لتوفي ما عليك، وحينئذٍ هل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015