وقيدناه بالسَّنة لما أشرنا إليه من قبل أن الزكاة حولية وإلا فقد يقول قائل: أعطوا الفقير حتى يكون غنيًّا مكتفيًا، ولكن لو قال قائل هذا القول، قلنا: وما حد الاكتفاء؛ لأنه قال: أعطوه حتى يكون غنيًّا؟ يكون اللي عنده يكفيه حتى الموت، هذا لا يمكن؛ لأن مثل ذلك لا يُعلم إذا مات عن قرب صار كل شيء يكفيه، وإن عُمِّر فهذا يحتاج إلى آلاف الألوف فهذا لا يمكن تقديره؛ نعم لو قال قائل: أعطوا الفقير حتى تهيئوا له ما يمكن أن يعيش فيه. لكان لهذا القول وجه، ولكن متى يكون ذلك؟ إذا لم نجل هناك حاجة شديدة؛ يعني: لو فرض أن المستوى العام للشعب مستوى جيد، وأردنا أن نؤمِّن مثلًا عمارة لهذا الفقير تكفيه من الزكاة فهذا جائز، أما إذا أمّنا لهذا الفقير عمارة من الزكاة بمائة ألف حرمنا عشرات الفقراء فلا، لكن لو فرضنا أن الشعب متكامل؛ يعني: أنه طيب الاقتصاد فهذا وجه قوي؛ أي: أن يشترى للفقير شيء يكفي نفقته على الاستمرار مثل سيارات يؤجرها أو عقارات حتى يكون غير مُحتاج.
وقوله: "تُؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم"، الإضافة هنا إضافة جنس أو إضافة قوم؟ فيه خلاف هو كالأول جنس هذا صحيح، لكن مع ذلك اختلف العلماء في هذه المسألة، فقال بعضهم: "إلى فقرائهم" أي: فقراء قومهم بمعنى أن زكاة أهل اليمن لأهل اليمن لا تخرج إلا إذا لم يوجد مستحق فتخرج، لكن ما دام يوجد مُستحق فإنها لا تُصرف إلى غيرهم، يعني يُقال: "من أغنيائهم فترد في فقرائهم"، وذهب بعض أهل العلم إلى أن الإضافة هنا للجنس، أي: في فقراء المسلمين، وعلى هذا القول فيجوز أن ننقل الزكاة من البلد إلى بلد آخر، وسيأتي- إن شاء الله- في الفوائد.
هذا الحديث صدَّر به المؤلف كتاب الزكاة؛ لأن فيه التصريح بأن الزكاة فرض.
فيستفاد من هذا الحديث فوائد؛ منها: مشروعية بعث الدُّعاة إلى الله عز وجل لقوله: "بعث معاذًا إلى اليمن"، وهل بعث الدُّعاة واجب؟ الجواب: نعم واجب كفائي؛ لأن على المسلمين واجب تبليغ الإسلام، فيكون بذلك من باب فرض الكفاية، فيجب على ولاة المسلمين أن يبعثوا الدَّعاة إلى البلاد لبثِّ الإسلام.
ثانيًا: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على انتشار الإسلام، يُؤخذ من بعثة الدُّعاة. ويستفاد من الحديث من الألفاظ التي حذفها المؤلف: أنه ينبغي الترتيب في الدعوة فيبدأ بالأهم فالأهم، حتى إذا اطمأن الإنسان ورضي والتزم ينتقل إلى الثاني، وهذا يؤخذ من قوله: "فإن هم أطاعوك لذلك".
ويستفاد منه: أن الصلاة أوكد من الزكاة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمره بإعلامهم بفرضية الزكاة إلا إذا قبلوا فرض الصلاة.