. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَدْ حَلَّ إلَّا مَنْ كَانَ أَهْدَى» وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ مُجَرَّدَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ يُحَلِّلُ الْمُحَرَّمَ بِالْحَجِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مُعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " مَنْ جَاءَ مُهِلًّا بِالْحَجِّ فَإِنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ يُصَيِّرُهُ إلَى الْعُمْرَةِ شَاءَ أَوْ أَبَى، قُلْت: إنَّ النَّاسَ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ عَلَيْك، قَالَ: هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ رَغِمُوا " وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: كُلُّ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ مِمَّنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ مِنْ مُفْرِدٍ أَوْ قَارِنٍ أَوْ مُتَمَتِّعٍ فَقَدْ حَلَّ إمَّا وُجُوبًا وَإِمَّا حُكْمًا، وَهَذَا كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا وَأَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» أَيْ حُكْمًا أَيْ دَخَلَ وَقْتُ فِطْرِهِ، فَكَذَا الَّذِي طَافَ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ حَلَّ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَقْتُ فِي حَقِّهِ لَيْسَ وَقْتَ إحْرَامٍ، وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ الْمُجْتَهِدَيْنِ عَلَى مَنْعِ الْفَسْخِ. وَالْجَوَابُ: أَوَّلًا بِمُعَارَضَةِ أَحَادِيثِ الْفَسْخِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الصَّحِيحَيْنِ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَمِنَّا مِنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فَأَحَلُّوا حِينَ طَافُوا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَمْ يَحِلُّوا إلَى يَوْمِ النَّحْرِ»
وَبِمَا صَحَّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ " لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ بَعْدَنَا أَنْ يُصَيِّرَ حَجَّتَهُ عُمْرَةً إنَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً لَنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَعَنْهُ كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ حَجَّ ثُمَّ فَسَخَهَا عُمْرَةً " لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا لِلرَّكْبِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْهُ.
وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ نَحْوَهُ. وَلِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَقَالَ: كَانَتْ لَنَا لَيْسَتْ لَكُمْ ". وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت فَسْخَ الْحَجِّ فِي الْعُمْرَةِ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً؟ فَقَالَ: بَلْ لَنَا خَاصَّةً» وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثٌ سُرَاقَةَ حَيْثُ قَالَ: «أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ لَهُ: لِلْأَبَدِ» لِأَنَّ الْمُرَادَ أَلِعَامِنَا فِعْلُ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَمْ لِلْأَبَدِ، لَا أَنَّ الْمُرَادَ فَسْخُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ.
وَذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ الْأَمْرِ بِالْفَسْخِ مَا كَانَ إلَّا تَقْدِيرًا لِشَرْعِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، مَا لَمْ يَكُنْ مَانِعُ سَوْقِ الْهَدْيِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَعْظَمًا عِنْدَهُمْ حَتَّى كَانُوا يُعِدُّونَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فَكَسْرُ سُورَةِ مَا اسْتَحْكَمَ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ إنْكَارِهَا بِحَمْلِهِمْ عَلَى فِعْلِهِ بِأَنْفُسِهِمْ، يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا وَيَقُولُونَ: إذَا بَرَا الدَّبَرْ وَعَفَا الْأَثَرْ وَانْسَلَخَ صَفَرْ حَلَّتْ الْعُمْرَةُ لِمَنْ اعْتَمَرَ، فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ لِصَبِيحَةِ رَابِعَةٍ مُهَلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ» فَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَدِيثُ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ ثَابِتًا كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَيْثُ قَالَ: لَا يَثْبُتُ عِنْدِي، وَلَا يُعْرَفُ هَذَا الرَّجُلُ. كَانَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا صَرِيحًا فِي كَوْنِ سَبَبِ الْأَمْرِ بِالْفَسْخِ هُوَ قَصْدُ مَحْوِ مَا اسْتَقَرَّ فِي نُفُوسِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِتَقْرِيرِ الشَّرْعِ بِخِلَافِهِ، أَلَا تَرَى إلَى تَرْتِيبِهِ الْأَمْرَ بِالْفَسْخِ عَلَى مَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ ذَلِكَ بِالْفَاءِ، غَيْرَ أَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ ذَلِكَ ظَنَّ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُسْتَمِرٌّ بَعْدَ إثَارَةِ السَّبَبِ إيَّاهُ كَالرَّمَلِ وَالِاضْطِبَاعِ فَقَالَ بِهِ.
وَظَهَرَ لِغَيْرِهِ كَأَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مُنْقَضٍ بِانْقِضَاءِ سَبَبِهِ ذَلِكَ، وَمَشَى عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْفُقَهَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ. وَهُوَ أَوْلَى لَوْ كَانَ قَوْلُ أَبِي ذَرٍّ عَنْ رَأْيٍ لَا عَنْ نَقْلٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمُسْتَمِرَّ