قَالَ (ثُمَّ يُقِيمُ بِمَكَّةَ حَرَامًا) لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ فَلَا يَتَحَلَّلُ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِأَفْعَالِهِ، قَالَ (وَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ كُلَّمَا بَدَا لَهُ) لِأَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَحْمَلُ هَذَا الْوَجْهِ مَا كَانَ مِنْ السَّعْيِ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ ثُمَّ بَقِيَ بَعْدَهُ كَالرَّمَلِ إذْ لَمْ يَبْقَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُشْرِكٌ بِمَكَّةَ. وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنْ لَا يُشْتَغَلَ بِطَلَبِ الْمَعْنَى فِيهِ، وَفِي نَظَائِرِهِ مِنْ الرَّمْيِ وَغَيْرِهِ بَلْ هِيَ أُمُورٌ تَوْقِيفِيَّةٌ يُحَالُ الْعِلْمُ فِيهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى
(قَوْلُهُ ثُمَّ يُقِيمُ بِمَكَّةَ حَرَامًا لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ فَلَا يَتَحَلَّلُ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِأَفْعَالِهِ) خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ وَعَامَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّهُ يَفْسَخُ الْحَجَّ إذَا طَافَ لِلْقُدُومِ إلَى عُمْرَةٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذَا وَاجِبٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: نَحْنُ نُشْهِدُ اللَّهُ أَنَّا لَوْ أَحْرَمْنَا بِحَجٍّ لَرَأَيْنَا فَرْضًا فَسَخَهُ إلَى عُمْرَةٍ تَفَادِيًا مِنْ غَضَبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَلِكَ أَنَّ فِي السُّنَنِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ فَأَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ: اجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ فَكَيْفَ نَجْعَلُهَا عُمْرَةً؟ قَالَ: اُنْظُرُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا، فَرَدُّوا عَلَيْهِ الْقَوْلَ فَغَضِبَ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - غَضْبَانَ، فَرَأَتْ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَتْ: مَنْ أَغْضَبَكَ أَغْضَبَهُ اللَّهُ؟ قَالَ: وَمَا لِي لَا أَغْضَبُ وَأَنَا آمُرُ أَمْرًا فَلَا أُتَّبَعُ»
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ غَضْبَانُ فَقُلْتُ: وَمَنْ أَغْضَبَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ؟ قَالَ: أَوَمَا شَعَرْتِ أَنِّي أَمَرْتُ النَّاسَ بِأَمْرٍ فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ»
الْحَدِيثَ. وَقَالَ سَلِمَةُ بْنُ شَبِيبٍ لِأَحْمَدَ: كُلُّ أَمْرِك عِنْدِي حَسَنٌ إلَّا خَلَّةً وَاحِدَةً قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: تَقُولُ بِفَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ، فَقَالَ: يَا سَلَمَةُ كُنْت أَرَى لَك عَقْلًا، عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَحَدَ عَشْرَ حَدِيثًا صِحَاحًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتْرُكُهَا لِقَوْلِك؟ وَلِتُورِدَ مِنْهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ» وَفِي لَفْظٍ «وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحِلُّوا إحْرَامَهُمْ بِعُمْرَةٍ إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَهَلَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ، وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَلْحَةَ إلَى أَنْ قَالَ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً» الْحَدِيثَ. وَفِيهِ قَالُوا «نَنْطَلِقُ إلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ» يَعْنُونَ الْجِمَاعَ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَرُوحُ أَحَدُنَا إلَى مِنًى وَذَكَرُهُ يَقْطُرُ مَنِيًّا؟ قَالَ: نَعَمْ عَادَ لِلْحَدِيثِ قَبْلَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ» وَفِي لَفْظٍ «فَقَامَ فِينَا فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَصْدَقُكُمْ وَأَبَرُّكُمْ، وَلَوْلَا هَدْيِي لَحَلَلْتُ كَمَا تُحِلُّونَ» وَفِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا «أَمَرَنَا لَمَّا أَحْلَلْنَا أَنْ نُحْرِمَ إذَا تَوَجَّهْنَا إلَى مِنًى قَالَ: فَأَهْلَلْنَا مِنْ الْأَبْطُحِ، فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ» .
وَفِي لَفْظٍ «أَرَأَيْتَ مُتْعَتَنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ» وَفِي السُّنَنِ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا كَانَ بِعُسْفَانَ قَالَ لَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ لَنَا قَضَاءَ قَوْمٍ كَأَنَّمَا وُلِدُوا الْيَوْمَ، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَدْخَلَ عَلَيْكُمْ فِي حَجِّكُمْ عُمْرَةً، فَإِذَا قَدِمْتُمْ فَمَنْ تَطَوَّفَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى