. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالنَّصِّ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَهْوُ الْمُؤْمِنِ بَاطِلٌ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: تَأْدِيبِهِ فَرَسَهُ وَفِي رِوَايَةٍ مُلَاعَبَتِهِ بِفَرَسِهِ، وَرَمْيِهِ عَنْ قَوْسِهِ، وَمُلَاعَبَتِهِ مَعَ أَهْلِهِ» وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ فَكَانَ بَاطِلًا انْتَهَى.
أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ زِيَادَةَ قَوْلِهِمْ بِالنَّصِّ فِي قَوْلِهِمْ فَاللَّعِبُ وَهُوَ اللَّهْوُ حَرَامٌ بِالنَّصِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى حُرْمَةِ اللَّهْوِ هُوَ النَّصُّ، وَالْكَلَامُ فِي دَلَالَةِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُؤْتَ بِتِلْكَ الزِّيَادَةُ إذْ يَكُونُ قَوْلُهُمْ فَاللَّعِبُ وَهُوَ اللَّهْوُ حَرَامٌ إذْ ذَاكَ مُتَفَرِّعًا عَلَى مَا قَبْلَهُ وَهُوَ إطْلَاقُ مُحَمَّدٍ اسْمَ اللَّعِبِ وَالْغِنَاءِ بِقَوْلِهِ فَوَجَدَ ثَمَّةَ اللَّعِبَ وَالْغِنَاءَ، فَيَصِيرُ حَاصِلُ التَّعْلِيلِ أَنَّ مُحَمَّدًا لَمَّا أَطْلَقَ اسْمَ اللَّعِبِ وَالْغِنَاءِ فِي هَاتِيكَ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِنَوْعٍ عُلِمَ أَنَّ اللَّعِبَ الَّذِي هُوَ اللَّهْوُ حَرَامٌ مُطْلَقًا، وَهُوَ جَيِّدٌ مُفِيدٌ لِلْمُدَّعِي.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُمْ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ فَكَانَ بَاطِلًا يُنَافِي قَوْلَهُمْ فِي أَوَّلِ التَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا أَطْلَقَ اسْمَ اللَّعِبِ وَالْغِنَاءِ، إذْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي هَاتِيكَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ اسْمُ اللَّعِبِ فِيهَا مُطْلَقًا، بَلْ أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِغَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثِ. لَا يُقَالُ: مُرَادُهُمْ بِإِطْلَاقِ مُحَمَّدٍ اسْمَ اللَّعِبِ إطْلَاقُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا عَدَا هَذِهِ الثَّلَاثَ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ لَعِبٍ فَلَا تَنَافِي. لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يُسَاعِدُهُ لَفْظُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَخَذُوا إطْلَاقَ اسْمِ اللَّعِبِ مِنْ قَوْلِهِ فَوَجَدَ ثَمَّةَ اللَّعِبَ وَالْغِنَاءَ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَقْتَضِي الْإِطْلَاقَ بِالنِّسْبَةِ إلَى جِنْسِ اللَّعِبِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضٍ مِنْهُ وَهُوَ مَا عَدَا الثَّلَاثَ الْمَذْكُورَةَ. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ شَيْءٌ فِي أَصْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ أَنْ لَوْ اُعْتُبِرَتْ دَلَالَةُ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنَّ الْمَلَاهِيَ كُلَّهَا حَرَامٌ وَجَازَ الْعَمَلُ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ لَزِمَ الْقَوْلُ بِحُرْمَةِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمُسْتَثْنَاةِ فِي الْحَدِيثِ أَيْضًا وَلَمْ يَقُلْ بِهَا أَحَدٌ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: تِلْكَ الثَّلَاثُ مُسْتَثْنَاةٌ فِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ تَقْدِيرًا بِنَاءً عَلَى كَوْنِهَا مُسْتَثْنَاةً فِي الْحَدِيثِ صَرِيحًا، وَيَجْعَلُ شُهْرَةَ الْحَدِيثِ قَرِينَةً عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَالَ: لَا يُقَالُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [الحديد: 20] وَالْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِحَرَامٍ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ بَعْضُ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَهُوَ مَا اسْتَثْنَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ «لَهْوُ الْمُؤْمِنِ بَاطِلٌ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: تَأْدِيبِهِ فَرَسَهُ، وَرَمْيِهِ عَنْ قَوْسِهِ، وَمُلَاعَبَتِهِ مَعَ أَهْلِهِ» انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَقُولُ: أَرَادَ بِالْقِيَاسِ فِي قَوْلِهِ: لِأَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ بَعْضُ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ لَيْسَ بِحَرَامٍ الْقِيَاسَ الْمَنْطِقِيَّ الَّذِي ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ عَلَى الشَّكْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْأَشْكَالِ الْأَرْبَعَةِ بِقِسْمَةِ الِاقْتِرَانِيِّ وَبِالْحَاصِلِ مِنْهُ نَتِيجَةً، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بَعْضُ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ إلَى جُزْئِيَّةِ تِلْكَ النَّتِيجَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّكْلَ الثَّالِثَ لَا يُنْتِجُ إلَّا جُزْئِيَّةً كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ فَبَطَلَ قَوْلُ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ هُنَا: لَكِنَّ الْقِيَاسَ الْأَوَّلَ يَقْتَضِي الْكُلِّيَّةَ كَمَا لَا يَخْفَى، فَكَأَنَّهُ غَفَلَ عَنْ كَوْنِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ عَلَى الشَّكْلِ الثَّالِثِ أَوْ عَنْ كَوْنِ نَتِيجَةِ الشَّكْلِ الثَّالِثِ جُزْئِيَّةً لَا غَيْرُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ هُنَا: إنَّ شَرْطَ إنْتَاجِ الشَّكْلِ الثَّالِثِ كُلِّيَّةً إحْدَى مُقَدِّمَتَيْهِ وَهِيَ هَاهُنَا مُنْتَفِيَةٌ انْتَهَى.
أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا أَيْضًا بِصَحِيحٍ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ كِلْتَا مُقَدِّمَتَيْ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ كُلِّيَّتَانِ صُغْرَاهُمَا مُوجَبَةٌ كُلِّيَّةٌ وَكُبْرَاهُمَا سَالِبَةٌ كُلِّيَّةٌ، وَإِنْ حَمَلَ السَّلْبَ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى رَفْعِ الْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ دُونَ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ فَكُلِّيَّةُ الْأُولَى مُقَرَّرَةٌ، وَأَدَاةُ صُوَرِ الْكُلِّيَّةِ هِيَ اللَّامُ الاستغراقية الدَّاخِلَةُ عَلَى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَلَيْسَتْ أَدَاةُ صُوَرِهَا بِمُنْحَصِرَةٍ فِي لَفْظَةِ كُلٍّ، بَلْ كُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَى الْكُلِّيَّةِ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَهُوَ أَدَاةُ صُوَرِهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. ثُمَّ أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ نَظَرٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ بَعْضُ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ لَيْسَ بِحَرَامٍ جَيِّدٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُوَ مَا اسْتَثْنَاهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يُنْتِجُ أَنَّ بَعْضَ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَهُوَ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَيْسَ بِحَرَامٍ، فَإِنَّ الَّذِي كَانَ حَدًّا أَوْسَطَ فِي ذَلِكَ الْقِيَاسِ هُوَ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا، فَهِيَ الْمُرَادُ بِالْبَعْضِ فِي النَّتِيجَةِ، وَنَظِيرُ هَذَا مَا إذَا قُلْنَا كُلُّ إنْسَانٍ حَيَوَانٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ الْإِنْسَانِ بِفَرَسٍ، فَإِنَّهُ يَنْتُجُ أَنَّ بَعْضَ الْحَيَوَانِ الَّذِي هُوَ الْإِنْسَانُ لَيْسَ بِفَرَسٍ لَا أَنَّ بَعْضَهُ أَيْ بَعْضَهُ كَانَ لَيْسَ بِفَرَسٍ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلْحَدِّ الْأَوْسَطِ تَأْثِيرٌ، وَدَخَلَ فِي النَّتِيجَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا؛ وَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ خَافٍ عَلَى مَنْ لَهُ دُرْبَةٌ بِعِلْمِ الْمِيزَانِ.