وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَدًى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68] وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْحُضُورِ، وَلَوْ عَلِمَ قَبْلَ الْحُضُورِ لَا يَحْضُرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ حَقُّ الدَّعْوَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا هَجَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ، وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَلَاهِيَ كُلَّهَا حَرَامٌ حَتَّى التَّغَنِّي بِضَرْبِ الْقَضِيبِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُقُوعِ غَيْرَ مُتَصَوَّرِ الْوُقُوعِ وَبِالْعَكْسِ، وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ تَحَقُّقَ انْتِهَاءِ الشَّيْءِ فِي الْخَارِجِ يَسْتَلْزِمُ تَحَقُّقَ ابْتِدَائِهِ فِيهِ دُونَ الْعَكْسِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا خُلُوُّ كَلَامِهِ عَنْ التَّحْصِيلِ انْتِهَاءً فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ وَوَجْهُ الِانْدِفَاعِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ حَقُّ الدَّعْوَةِ ابْتِدَاءً لَكِنْ يَلْزَمُهُ انْتِهَاءً إذَا هَجَمَ أَنَّهُ اخْتَارَ كَوْنَ الْمُرَادِ أَنَّ إجَابَةَ مُطْلَقِ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ، لِأَنَّ عَدَمَ لُزُومِ حَقِّ الدَّعْوَةِ ابْتِدَاءً لَكِنْ يَلْزَمُهُ انْتِهَاءً كَانَ مِنْ مُتَفَرِّعَاتِ مَنْعِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ مَا ذَكَرَهُ فِي وَجْهِ الِانْدِفَاعِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ الْمَدْعُوُّ قَبْلَ الْحُضُورِ أَنَّ الدَّعْوَةَ قَارَنَتْ شَيْئًا مِنْ الْبِدْعَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ أَصْلًا كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ، وَذَكَرَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ أَيْضًا فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ، وَيَكْفِي لِسَنَدِ مَنْعٍ أَنَّ إجَابَةَ مُطْلَقِ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ هَذِهِ الصُّورَةُ فَقَطْ، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ حَقُّ الدَّعْوَةِ ابْتِدَاءً لَكِنْ يَلْزَمُهُ انْتِهَاءً إذَا هَجَمَ؛ لِأَنَّ لُزُومَ حَقِّ الدَّعْوَةِ لِلْمَدْعُوِّ انْتِهَاءً إذَا هَجَمَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَكُونُ بِأَنْ عَلِمَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحُضُورِ، وَهُوَ صُورَةٌ أُخْرَى غَيْرُ الصُّورَةِ الْأُولَى الَّتِي هِيَ السَّنَدُ لِلْمَنْعِ الْمَذْكُورِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حَقُّ الدَّعْوَةِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَا ابْتِدَاءً وَلَا انْتِهَاءً، فَكَيْفَ يَكُونُ مَا ذَكَرَهُ وَجْهًا لِلِانْدِفَاعِ.

وَالصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ عَمَّا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ اخْتِيَارُ الشِّقِّ الثَّانِي مِنْ تَرْدِيدِهِ، وَهُوَ كَوْنُ الْمُرَادِ أَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ عَلَى وَجْهِ السُّنِّيَّةِ فَتَكُونُ الْإِجَابَةُ سُنَّةً وَبَيَانُ تَمَامِ تَقْرِيبِ الدَّلِيلِ بِأَنَّ الدَّعْوَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ إنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ أَوْ طَعَامٍ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ شَيْءٍ مِنْ الْبِدَعِ أَصْلًا.

وَالثَّانِي إنْ دُعِيَ إلَى ذَلِكَ وَيَذْكُرُ حِينَ الدَّعْوَةِ أَنَّ ثَمَّةَ شَيْئًا مِنْ الْبِدَعِ وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْمَدْعُوُّ قَبْلَ الْحُضُورِ وَلَكِنْ هَجَمَ عَلَيْهِ،

وَالثَّالِثِ إنْ دُعِيَ إلَى ذَلِكَ وَذَكَرَ أَنَّ ثَمَّةَ شَيْئًا مِنْ الْبِدَعِ فَعَلِمَهُ الْمَدْعُوُّ قَبْلَ الْحُضُورِ. فَفِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ كَانَتْ الدَّعْوَةُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ فَتَكُونُ الْإِجَابَةُ سُنَّةً. وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ لَمْ تَكُنْ الدَّعْوَةُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ فَلَا تَكُونُ الْإِجَابَةُ لَازِمَةً لِلْمَدْعُوِّ أَصْلًا، وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مِنْ الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْ تِلْكَ الْأَوْجُهِ فَيَتَمَشَّى فِيهَا الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ فَيَتِمُّ التَّقْرِيبُ تَأَمَّلْ تَقِفْ.

(قَوْلُهُ وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْحُضُورِ وَلَوْ عَلِمَ قَبْلَ الْحُضُورِ لَا يَحْضُرُ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ يَعُمُّ مَا بَعْدَ الْحُضُورِ وَمَا قَبْلَهُ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ الْمُعَرَّفَ بِاللَّامِ إذَا لَمْ تَكُنْ لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ فَهُوَ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَالدَّعْوَةُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» مُعَرَّفَةٌ بِاللَّامِ، وَلَمْ يَظْهَرْ هُنَاكَ مَعْهُودٌ خَارِجِيٌّ فَهِيَ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَتَعُمُّ كُلَّ دَعْوَةٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَامًّا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الِاجْتِنَابِ عَنْ اقْتِرَابِ تِلْكَ الْبِدَعِ بِلَا ضَرُورَةٍ تَوْفِيقًا بَيْنَ النُّصُوصِ مَهْمَا أَمْكَنَ، وَقَدْ دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى الصَّبْرِ فِيمَا إذَا عَلِمَ بَعْدَ الْحُضُورِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ حَقُّ الدَّعْوَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ قَبْلَ الْحُضُورِ إذْ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ هُنَاكَ كَمَا بَيَّنَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ فَافْتَرَقَا.

(قَوْلُهُ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَلَاهِيَ كُلَّهَا حَرَامٌ حَتَّى التَّغَنِّي بِضَرْبِ الْقَضِيبِ) ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَطْلَقَ اسْمَ اللَّعِبِ وَالْغِنَاءِ بِقَوْلِهِ فَوَجَدَ ثَمَّةَ اللَّعِبَ وَالْغِنَاءَ وَهُوَ اللَّهْوُ حَرَامٌ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ التَّعْلِيلِ كَافٍ فِي بَيَانِ دَلَالَةِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْمَلَاهِيَ كُلَّهَا حَرَامٌ هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ عِنْدِي، وَقَدْ زَادَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ عَلَى ذَلِكَ كَلَامًا آخَرَ حَيْثُ قَالُوا: فَاللَّعِبُ وَهُوَ اللَّهْوُ حَرَامٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015