. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQصَاحِبُ الْغَايَةِ هَاهُنَا لَيْسَ بِمَثَابَةِ أَنْ يُقَالَ لَهُ هُوَ خَطَأٌ بِمُجَرَّدِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ، فَإِنَّ الَّذِي يُهِمُّهُ فِي تَوْجِيهِ الْمَقَامِ هُوَ قَوْلُهُ الْمُرَادُ بِمِلْكِهِ التَّصَرُّفَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي جِنْسِ التَّصَرُّفِ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ، وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ تَوْكِيلُ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْعَارِفِ بِحُكْمِ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ عَلَى مَذْهَبِنَا فِي فَصْلِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا فَفَضْلَةٌ مِنْ التَّوْجِيهِ ذَكَرَهُ لِبَيَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ هُوَ الِاحْتِرَازُ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ. وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ فَكَوْنُهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَالِغِ فِي عَامَّةِ التَّصَرُّفَاتِ مَعْلُومٌ فِي مَحَلِّهِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى، وَعَنْ هَذَا تَرَى الْفُقَهَاءَ فِي كُلِّ عَقْدٍ جَعَلُوا الْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ شَرْطًا فِيهِ وَقَصَدُوا بِهِ الِاحْتِرَازَ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَمْ يَسْتَثْنُوا الصَّبِيَّ الْمَأْذُونَ عَنْهُ صَرَاحَةً (وَتَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ) قِيلَ هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ الْوَكِيلِ فَإِنَّ الْوَكِيلَ مِمَّنْ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ تَصَرُّفِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ لَا يَمْلِكُ الْمَبِيعَ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَا يَمْلِكُ الثَّمَنَ فَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ الْوَكِيلِ غَيْرَهُ.

وَقِيلَ هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورَيْنِ؛ فَإِنَّهُمَا لَوْ اشْتَرَيَا شَيْئًا لَا يَمْلِكَانِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ تَوْكِيلُهُمَا، كَذَا فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ. قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ لِلْقِيلِ الثَّانِي: وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ.

وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ وَيَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ يَحْتَمِلُ أَحْكَامَ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ وَجِنْسَ الْأَحْكَامِ. فَالْأَوَّلُ احْتِرَازٌ عَنْ الْوَكِيلِ إذَا وَكَّلَ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ دُونَ التَّوْكِيلِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَلْزَمْهُ الْأَحْكَامُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي الْكَلَامِ شَرْطَانِ. وَالثَّانِي: احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَيَكُونُ مِلْكُ التَّصَرُّفِ وَلُزُومُ الْأَحْكَامِ شَرْطًا وَاحِدًا، وَهَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إذَا أُذِنَ لَهُ بِالتَّوْكِيلِ صَحَّ وَلَمْ يَلْزَمْهُ أَحْكَامُ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ. فَإِنْ قُلْت: إذَا جَعَلْتهمَا شَرْطًا وَاحِدًا لَزِمَك الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ مِمَّنْ يَمْلِكُ جِنْسَ التَّصَرُّفِ وَيَلْزَمُهُ جِنْسُ الْأَحْكَامِ وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ قُلْت: غَلَطٌ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمَشْرُوطِ لَا سِيَّمَا مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ فَوَاتُ رَأْيِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ (لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ) تَعْلِيلٌ لِاشْتِرَاطِ مَا شُرِطَتْ الْوَكَالَةُ بِهِ: يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ لِكَوْنِهِ نَائِبًا عَنْهُ فَيَكُونُ التَّوْكِيلُ تَمْلِيكَ التَّصَرُّفِ وَتَمْلِيكُ التَّصَرُّفِ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُهُ مُحَالٌ (فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَالِكًا) أَيْ لِلتَّصَرُّفِ (لِيَمْلِكَهُ مِنْ غَيْرِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْوَكِيلُ يَمْلِكُ جِنْسَ التَّصَرُّفِ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ أَوْ التَّصَرُّفَ الَّذِي وُكِّلَ فِيهِ، وَالثَّانِي مُسْلِمٌ وَيَنْتَقِضُ بِتَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِأَهْلِيَّتِهِ وَلِهَذَا لَوْ تَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ صَحَّ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَكِيلَ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَكِيلٌ يَمْلِكُ جِنْسَ التَّصَرُّفِ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ عَلَى أَنَّ الْمَالِكَ يَثْبُتُ لَهُ خِلَافَةٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ فِيمَا تَصَرَّفَ فِيهِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ. وَتَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ وَلَا الْكَلَامِ فِيهِ، وَلَا يُنَافِيهِ أَيْضًا لِجَوَازِ ثُبُوتِ شَيْءٍ بِأَمْرَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ انْتَهَى أَقُولُ: فِي جَوَابِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْوَكِيلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَكِيلٌ مَالِكًا لِجِنْسِ التَّصَرُّفِ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ إنَّمَا يُتَوَهَّمُ فِي التَّوْكِيلِ بِتَصَرُّفٍ لَا بِعَيْنِهِ بِأَنْ قَالَ: اصْنَعْ مَا شِئْت أَوْ اعْمَلْ بِرَأْيِك، وَأَمَّا فِي التَّوْكِيلِ بِتَصَرُّفٍ بِعَيْنِهِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ مَادَّةِ النَّقْضِ بِتَوْكِيلِ مُسْلِمٍ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ خَمْرٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ قَطْعًا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْوَكِيلَ هُنَاكَ إنَّمَا يَمْلِكُ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ التَّصَرُّفَ الْمُعَيَّنَ الْمَعْهُودَ الَّذِي وُكِّلَ بِهِ وَهُوَ بَيْعُ الْخَمْرِ لَا جِنْسُ التَّصَرُّفِ مُطْلَقًا وَإِلَّا لَصَحَّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ هُنَاكَ بِتَصَرُّفٍ آخَرَ، كَأَنْ يَهَبَ الْخَمْرَ الَّتِي وُكِّلَ بِبَيْعِهَا لِذِمِّيٍّ أَوْ يَشْتَرِيَ بِهَا مِنْهُ شَيْئًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ التَّصَرُّفَاتِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا. وَالْحَقُّ عِنْدِي فِي الْجَوَابِ أَنْ يَخْتَارَ الشِّقَّ الثَّانِيَ وَهُوَ أَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ الَّذِي وُكِّلَ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ.

وَيُدْفَعُ النَّقْضُ الْمَذْكُورُ بِحَمْلِ مَا فِي الْكِتَابِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَوْ بِنَاءِ ذَلِكَ عَلَى الْأَصْلِ فَإِنَّ بَيْعَ الْخَمْرِ جَائِزٌ لِلْمُسْلِمِ فِي الْأَصْلِ. وَإِنَّمَا امْتَنَعَ بِعَارِضِ النَّهْيِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا كِلَا الْوَجْهَيْنِ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ نَقْلًا عَنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ (وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَعْقِلُ الْعَقْدَ) بِأَنْ يَعْرِفَ مَثَلًا أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ وَيَعْرِفَ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ مِنْ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي مَأْذُونِ الذَّخِيرَةِ وَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَعْقِلْ وَالْمَجْنُونِ (وَيَقْصِدُهُ) أَيْ يَقْصِدُ الْعَقْدَ، وَالْمُرَادُ أَنْ لَا يَكُونَ هَازِلًا فِيهِ، كَذَا رَأَى جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ. وَرَدَّ عَلَيْهِمْ الشَّارِحُ ابْنُ الْهُمَامِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ قَوْلِهِمْ: أَيُّ ارْتِبَاطٍ بَيْنَ صِحَّةِ الْوَكَالَةِ وَكَوْنِ الْوَكِيلِ هَازِلًا فِي الْبَيْعِ وَلَوْ كَانَ فِي بَيْعِ مَا وُكِّلَ بِبَيْعِهِ غَايَتُهُ أَنْ لَا يَصِحَّ ذَلِكَ الْبَيْعُ وَالْوَكَالَةُ صَحِيحَةٌ انْتَهَى.

أَقُولُ: يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنْهُ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ هَاهُنَا حَيْثُ قَالَ: الْقَصْدُ شَرْطٌ فِي وُقُوعِ الْعَقْدِ عَنْ الْآمِرِ، حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ هَازِلًا لَا يَقَعُ عَنْهُ انْتَهَى فَتَأَمَّلْ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ ذَلِكَ فِي الْوَكِيلِ (لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْعِبَارَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ) وَأَهْلِيَّةُ الْعِبَارَةِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015