. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْشَأُ هَذَا التَّوَهُّمِ أَنَّهُ جَعَلَ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ لِلْعَهْدِ: أَيْ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ الَّذِي وَكَّلَ بِهِ، وَأَمَّا إذَا جُعِلَتْ لِلْجِنْسِ حَتَّى يَكُونَ مَعْنَاهُ يَمْلِكُ جِنْسَ التَّصَرُّفِ احْتِرَازًا عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَيَكُونُ عَلَى مَذْهَبِ الْكُلِّ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فَإِنَّ الْأَنْسَبَ لِكَلِمَةِ " مَنْ " جِنْسُ التَّصَرُّفِ انْتَهَى. وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنَّ الْأَنْسَبَ لِكَلِمَةِ " مَنْ " جِنْسُ التَّصَرُّفِ، وَأَجَابَ حَيْثُ قَالَ: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ مَدْخُولَ كَلِمَةِ " مَنْ " هُوَ قَوْلُهُ مَنْ يَمْلِكُ دُونَ التَّصَرُّفِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْمَالِكَ لِلتَّصَرُّفِ الْمَخْصُوصِ لَا يَتَعَدَّدُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ إدْخَالُ " مَنْ " فِي مَنْ يَمْلِكُ انْتَهَى.
أَقُولُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَهُ، فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَالِكَ لِلتَّصَرُّفِ الْمَخْصُوصِ لَا يَتَعَدَّدُ، أَلَا يَرَى إلَى الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ مَالًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهَا تَصَرُّفًا مَخْصُوصًا، وَإِنْ وَصَلَ مَبْلَغُهُمْ فِي التَّعَدُّدِ إلَى الْأَلْفِ، مَثَلًا إذَا كَانَتْ دَارٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ كَثِيرِينَ فَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهَا بِسُكْنَى أَوْ غَيْرِهِ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَلَا نُسَلِّمُ عَدَمَ اسْتِقَامَةِ إدْخَالِ " مَنْ " حِينَئِذٍ فِي مَنْ يَمْلِكُ، فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُتَوَهَّمُ لَوْ كَانَتْ كَلِمَةُ " مَنْ " هَاهُنَا لِلتَّبْعِيضِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ لِلتَّبْيِينِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْمَقَامِ فَيَسْتَقِيمُ جِدًّا كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ كُلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى فَهْمِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِكَلِمَةِ " مَنْ " فِي قَوْلِهِ فَإِنَّ الْأَنْسَبَ لِكَلِمَةِ " مَنْ " جِنْسُ التَّصَرُّفِ حَرْفُ الْجَرِّ الدَّاخِلَةُ عَلَى الِاسْمِ الْمَوْصُولِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِهَا نَفْسُ الِاسْمِ الْمَوْصُولِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي قَوْلِهِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ. إذْ لَوْ كَانَ مَدَارُ كَلَامِهِ زِيَادَةَ حَرْفِ الْجَرِّ لَقَالَ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِحَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ فَقَطْ، فَوَجْهُ الْأَنْسَبِيَّةِ حِينَئِذٍ أَنَّ الِاسْمَ الْمَذْكُورَ مِنْ مُبْهَمَاتِ الْمَعَارِفِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي النَّحْوِ وَمِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ جِنْسَ الْمَالِكِ لَا الْفَرْدَ الْمُعَيَّنَ مِنْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِي يَمْلِكُهُ جِنْسُ الْمَالِكِ هُوَ جِنْسُ التَّصَرُّفِ دُونَ التَّصَرُّفِ الْمَعْهُودِ، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ: إنَّ الْأَنْسَبِيَّةَ قَدْ فَاتَتْ فِي قَوْلِهِ وَيَقْصِدُهُ كَمَا لَا يَخْفَى.
أَقُولُ: هَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِسَدِيدٍ، فَإِنَّ قَوْلَهُ وَيَقْصِدُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ مَنْ صَرَاحَةً لَكِنَّهُ مَقْرُونٌ بِهَا حُكْمًا فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا هُوَ فِي حَيِّزِ كَلِمَةِ مَنْ وَهُوَ قَوْلُهُ يَعْقِلُ الْعَقْدَ فِي قَوْلِهِ مِمَّنْ يَعْقِلُ الْعَقْدَ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَعْطُوفَ فِي حُكْمِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا قَبْلَهُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ، فَقَدْ حَصَلَتْ الْأَنْسَبِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ هُنَاكَ أَيْضًا. ثُمَّ إنَّ حَمْلَ التَّصَرُّفِ فِي قَوْلِ الْقُدُورِيِّ: وَمِنْ شَرْطِ الْوَكَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ عَلَى جِنْسِ التَّصَرُّفِ دُونَ التَّصَرُّفِ الَّذِي وَكَّلَ بِهِ مِمَّا سَبَقَ إلَيْهِ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: قِيلَ لَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الشَّرْطُ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَرْطُ الْوَكَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَالِكًا لِلتَّصَرُّفِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُوَكِّلَ الْمُسْلِمُ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَشِرَائِهَا، وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِنَفْسِهِ. فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عَلَى مَذْهَبِهِ، بَلْ الشَّرْطُ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مَالِكًا لِذَلِكَ التَّصَرُّفِ الَّذِي وُكِّلَ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ: قُلْت هَذَا الشَّرْطُ الَّذِي شَرَطَهُ الْقُدُورِيُّ يَسْتَقِيمُ عَلَى مَذْهَبِ الْكُلِّ، وَإِنَّمَا خَصَّ هَذَا الْقَائِلُ الِاسْتِقَامَةَ عَلَى مَذْهَبِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرِكُ كُنْهَ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ، إذْ مَضْمُونُ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَكَالَةَ لَهَا شَرْطٌ فِي الْمُوَكِّلِ وَشَرْطٌ فِي الْوَكِيلِ.
فَالْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَيَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ شَرْعًا فِي جِنْسِ التَّصَرُّفِ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا عَلَى وَجْهٍ يُلْزِمُهُ حُكْمَ التَّصَرُّفِ، وَهَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ فِي تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بَيْعًا وَشِرَاءً؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ الْمُوَكِّلَ عَاقِلٌ بَالِغٌ لَهُ وِلَايَةٌ شَرْعًا فِي جِنْسِ التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهٍ يُلْزِمُهُ حُكْمُ التَّصَرُّفِ فِيمَا تَصَرَّفَ بِوِلَايَتِهِ.
وَالشَّرْطُ الْآخَرُ وَهُوَ أَنْ يَعْقِلَ الْعَقْدَ وَيَقْصِدَهُ حَاصِلٌ فِي الْوَكِيلِ أَيْضًا وَهُوَ الذِّمِّيُّ؛ لِأَنَّهُ يَعْقِلُ مَعْنَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَيَقْصِدُهُ، فَصَحَّ الشَّرْطُ إذَنْ عَلَى مَذْهَبِ الْكُلِّ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ.
وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّارِحُ ابْنُ الْهُمَامِ حَيْثُ قَالَ: قِيلَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ يُجِيزُ تَوْكِيلَ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ خَمْرٍ وَشِرَائِهَا وَالْمُسْلِمُ لَا يَمْلِكُهُ. أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمُلْكِهِ التَّصَرُّفَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي جِنْسِ التَّصَرُّفِ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ بِأَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا، وَهَذَا حَاصِلٌ فِي تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ خَمْرٍ وَشِرَائِهَا، ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاهُ لِذَلِكَ، وَهُوَ خَطَأٌ إذْ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ تَوْكِيلُ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لِعَدَمِ الْبُلُوغِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ إذَا وَكَّلَ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونَ يَصِحُّ بَعْدَ أَنْ يَعْقِلَ مَعْنَى الْبَيْعِ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: مَا ذَهَبَ إلَيْهِ