. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَأَلْحَانِ الطُّيُورِ (حَتَّى لَوْ كَانَ) أَيْ الْوَكِيلُ (صَبِيًّا لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونًا كَانَ التَّوْكِيلُ بَاطِلًا) إذْ لَيْسَ لَهُمَا أَهْلِيَّةُ الْعِبَارَةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِمَا حُكْمٌ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ مِنْ الْفَاحِشِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ التَّوْكِيلِ، لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ، وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ تَوْكِيلَ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ صَحِيحٌ، وَمَعْرِفَةُ مَا زَادَ عَلَى " ده نيم " فِي الْمَتَاعِ وَ " ده يازده " فِي الْحَيَوَانِ وَ " ده دوازده " فِي الْعَقَارِ، أَوْ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ إلَّا بَعْدَ الِاشْتِغَالِ بِعِلْمِ الْفِقْهِ. انْتَهَى.
أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ مَعْرِفَةَ نَفْسِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ الدَّاخِلِ تَحْتَ أَحَدِ التَّفْسِيرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ إلَّا بَعْدَ الِاشْتِغَالِ بِعِلْمِ الْفِقْهِ فَمَمْنُوعٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مَنْ لَا يُمَارِسُ الْعِلْمَ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ الِاشْتِغَالِ بِعِلْمِ الْفِقْهِ يُعْرَفُ بِاخْتِلَاطِهِ بِالنَّاسِ وَتَعَامُلِهِ مَعَهُمْ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ أَوْ مَا زَادَ عَلَى " ده نيم " فِي الْمَتَاعِ وَ " ده يازده " فِي الْحَيَوَانِ، وَ " ده دوازده " فِي الْعَقَارِ غَبْنٌ فَاحِشٌ، وَمَا دُونَ ذَلِكَ غَبْنٌ يَسِيرٌ كَمَا هُوَ حَالُ أَكْثَرِ أَهْلِ السُّوقِ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ مَعْرِفَةَ عِبَارَاتِ أَهْلِ الشَّرْعِ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَالْيَسِيرِ وَاصْطِلَاحَاتِهِمْ فِيهِ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ إلَّا بَعْدَ الِاشْتِغَالِ بِعِلْمِ الْفِقْهِ فَمُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يُجْدِي ذَلِكَ شَيْئًا، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مَعْرِفَةُ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ مِنْ الْفَاحِشِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي
(وَإِذَا وَكَّلَ الْحُرُّ الْبَالِغُ أَوْ الْمَأْذُونُ مِثْلَهُمَا جَازَ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِالْعَاقِلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ لَا يَجُوزُ، وَكَأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يُقَيَّدْ بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا، أَوْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اشْتِرَاطَ الْعَقْلِ مِمَّا يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا أُطْلِقَ الْمَأْذُونُ لِيَشْمَلَ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ الْمَأْذُونَ، فَإِنَّ تَوْكِيلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرَهُ جَائِزٌ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِمَا. ثُمَّ إنَّ هَذَا غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي الْمِثْلِيَّةِ فِي صِفَةِ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّيَّةِ، بَلْ يَجُوزُ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ فَوْقَهُ كَتَوْكِيلِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ الْحُرَّ أَوْ مَنْ دُونَهُ كَتَوْكِيلِ الْحُرِّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ التَّعْلِيلَ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ مَالِكٌ لِلتَّصَرُّفِ وَالْوَكِيلَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ) يَشْمَلُ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ مِنْ الْمِثْلِيَّةِ وَالْفَوْقِيَّةِ وَالدُّونِيَّةِ كَمَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ: وَلَوْ قَالَ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ أَشْمَلَ لِتَنَاوُلِهِ تَوْكِيلَ الْحُرِّ الْبَالِغِ مِثْلَهُ أَوْ الْمَأْذُونَ، وَتَوْكِيلُ الْمَأْذُونِ مِثْلَهُ أَوْ الْحُرَّ الْبَالِغَ انْتَهَى. وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ قَدْ رَامَ تَوْجِيهَ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ حَيْثُ قَالَ: وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ مِثْلَهُمَا جَوَازُ تَوْكِيلِ مَنْ كَانَ فَوْقَهُمَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّهُ لَا يُجْدِي كَثِيرٌ طَائِلٌ، إذْ يَبْقَى حِينَئِذٍ جَوَازُ تَوْكِيلِ مَنْ كَانَ دُونَ الْمُوَكِّلِ مَحَلًّا لِلْكَلَامِ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ مَنْ كَانَ فَوْقَهُمَا لَا يَخْلُو عَنْ سَمَاجَةٍ إذْ لَا أَحَدَ فَوْقَ الْحُرِّ الْبَالِغِ
(وَإِنْ وَكَّلَ) أَيْ الْحُرُّ الْبَالِغُ أَوْ الْمَأْذُونُ (صَبِيًّا مَحْجُورًا يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ جَازَ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا الْحُقُوقُ) أَيْ حُقُوقُ مَا بَاشَرَاهُ مِنْ الْعَقْدِ كَالْقَاضِي وَأَمِينِهِ حَيْثُ لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِمَا فِيمَا فَعَلَاهُ (وَتَتَعَلَّقُ بِمُوَكَّلِهِمَا) وَإِنَّمَا جَازَ تَوْكِيلُهُمَا عِنْدَنَا لِانْتِفَاءِ مَا يَمْنَعُهُ، أَمَّا مِنْ جَانِبِ الْمُوَكِّلِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مِنْ جَانِبِ الْوَكِيلِ فَلِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَالْعَبْدُ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ عَلَى نَفْسِهِ مَالِكٌ لَهُ) أَيْ لِلتَّصَرُّفِ عَلَى نَفْسِهِ وَلِهَذَا صَحَّ طَلَاقُهُ وَإِقْرَارُهُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ (وَإِنَّمَا لَا يَمْلِكُهُ) أَيْ التَّصَرُّفَ (فِي حَقِّ الْمَوْلَى) دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ (وَالتَّوْكِيلُ لَيْسَ تَصَرُّفًا فِي حَقِّهِ) أَيْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّوْكِيلِ تَتَعَلَّقُ بِصِحَّةِ الْعِبَارَةِ وَالْعَبْدُ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْعِبَارَةِ، فَإِنَّ صِحَّتَهَا بِكَوْنِهِ آدَمِيًّا (إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ (الْتِزَامُ الْعُهْدَةِ، أَمَّا الصَّبِيُّ لِقُصُورِ أَهْلِيَّتِهِ) أَيْ أَمَّا الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فَلِقُصُورِ أَهْلِيَّتِهِ بِعَدَمِ الْبُلُوغِ (وَالْعَبْدُ لِحَقِّ سَيِّدِهِ) أَيْ وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فَلِثُبُوتِ حَقِّ سَيِّدِهِ فِي مَالِيَّتِهِ، فَلَوْ لَزِمَهُ الْعُهْدَةُ لَتَضَرَّرَ بِهِ الْمَوْلَى، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَتَلْزَمُ) أَيْ الْعُهْدَةُ (الْمُوَكِّلَ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِمَا حَيْثُ انْتَفَعَ بِتَصَرُّفِهِمَا.
وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أُعْتِقَ لَزِمَهُ الْعُهْدَةُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ لُزُومِهَا كَانَ حَقَّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ، وَأَنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعُهْدَةُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ لُزُومِهَا كَانَ قُصُورَ أَهْلِيَّتِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ مُلْزِمًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ تَلْزَمْهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَيْضًا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِهَذَا الْوَجْهِ مِمَّا ذُكِرَ صَرِيحًا فِي الْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ قَاضِي خَانْ. ثُمَّ إنَّ فِي تَقْيِيدِ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ بِقَوْلِهِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مَأْذُونَيْنِ تَعَلَّقُ الْحُقُوقُ بِهِمَا لَكِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ. وَهُوَ أَنَّ الصَّبِيَّ الْمَأْذُونَ إذَا وُكِّلَ بِالْبَيْعِ فَبَاعَ لَزِمَهُ الْعُهْدَةُ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا وَإِذَا وَكَّلَ بِالشِّرَاءِ؛ فَإِنْ وَكَّلَ بِالشِّرَاءِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لَمْ تَلْزَمْهُ الْعُهْدَةُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا بَلْ تَكُون الْعُهْدَةُ عَلَى