أَحَدِ الْغَاصِبَيْنِ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ أَحَدَهُمَا يَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ مِنْهُ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّمْلِيكُ مِنْ الثَّانِي، أَمَّا الْمُطَالَبَةُ بِالْكَفَالَةِ لَا تَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ فَوَضَحَ الْفَرْقُ
قَالَ (وَيَجُوزُ) (تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِالشُّرُوطِ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ مَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ أَوْ مَا ذَابَ لَك عَلَيْهِ فَعَلَيَّ أَوْ مَا غَصَبَك فَعَلَيَّ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى صِحَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدِ الْغَاصِبَيْنِ) يَعْنِي الْغَاصِبَ وَغَاصِبَ الْغَاصِبِ إذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْآخَرَ (لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ) تَضْمِينَ (أَحَدِهِمَا) أَيْ إنْ قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ (يَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ مِنْهُ) فَيَبْرَأُ الْآخَرُ بِالضَّرُورَةِ، بِخِلَافِ الْمُطَالَبَةِ عَنْ الْكَفَالَةِ لَا تَقْتَضِي التَّمْلِيكَ وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ مَا لَمْ تُوجَدْ حَقِيقَةُ الِاسْتِيفَاءِ.
(قَوْلُهُ وَيَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِالشُّرُوطِ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ مَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ وَمَا ذَابَ لَك عَلَيْهِ، أَيْ مَا وَجَبَ وَثَبَتَ فَعَلَيَّ مِنْ ذَوْبِ الشَّحْمِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ بَايَعْته فَعَلَيَّ دَرَكُ ذَلِكَ الْبَيْعِ. وَإِنْ ذَابَ لَك عَلَيْهِ شَيْءٌ فَعَلَيَّ، وَكَذَا مَا غَصَبَك فَعَلَيَّ، وَإِذَا صَحَّتْ فَعَلَيْهِ مَا يَجِبُ بِالْمُبَايَعَةِ الْأُولَى، فَلَوْ بَايَعَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ لَا يَلْزَمُهُ ثَمَنُ الْمُبَايَعَةِ الثَّانِيَةِ، ذَكَرَهُ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَصًّا.
وَفِي نَوَادِر أَبِي يُوسُفَ بِرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ: يَلْزَمُهُ كُلُّهُ، وَلَوْ رَجَعَ الْكَفِيلُ عَنْ هَذَا الضَّمَانِ وَنَهَاهُ عَنْ الْمُبَايَعَةِ صَحَّ، حَتَّى لَوْ بَايَعَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ شَيْءٌ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فُلَانًا لِيَصِيرَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ مَعْلُومًا فَإِنَّ جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ كَجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ فِي الْإِضَافَةِ.
وَلَوْ قَالَ مَا بَايَعْت مِنْ النَّاسِ فَعَلَيَّ ضَمَانُهُ فَهُوَ بَاطِلٌ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ بِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَبِهِ، بِخِلَافِ انْفِرَادِ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ بِهِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ قَلِيلَةٌ تُتَحَمَّلُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ لَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ مُطْلَقًا وَجَهَالَةَ الْمَكْفُولِ بِهِ لَا تَمْنَعُهَا مُطْلَقًا وَجَهَالَةَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فِي التَّعْلِيقُ وَالْإِضَافَةِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ، وَفِي التَّنْجِيزِ لَا تَمْنَعُ. مِثَالُ ذَلِكَ لَوْ قَالَ: مَا ذَابَ لَك عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ أَوْ مَا بَايَعْت أَحَدًا فَهُوَ عَلَيَّ لَا تَصِحُّ لِجَهَالَةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فِي الْإِضَافَةِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ مَا ذَابَ لِأَحَدٍ عَلَيْك فَهُوَ عَلَيَّ لَا تَصِحُّ لِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ.
وَلَوْ قَالَ مَا غَصَبَك فُلَانٌ أَوْ سَرَقَك فَعَلَيَّ جَازَ لِانْتِفَائِهِمَا، وَمِنْ الْمُثُلِ مَا غَصَبَك أَهْلُ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ، كَأَنَّهُ قَالَ: مَا يَجِبُ لَك عَلَى وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ فَعَلَيَّ، وَفِيهِ لَا تَصِحُّ لِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ. وَمَنْ بَايَعَ فُلَانًا الْيَوْمَ مِنْ بَيْعٍ فَعَلَيَّ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ شَيْءٌ لِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ لِأَنَّهُ ضَمِنَ الْوَاحِدَ مِنْ النَّاسِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ حَاضِرِينَ مَا بَايَعْتُمُوهُ فَعَلَيَّ يَصِحُّ فَأَيُّهُمْ بَايَعَهُ لَزِمَ الْكَفِيلَ لِأَنَّهُ ضَمِنَ لِمُعَيَّنِينَ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ كَوْنُ أَهْلِ الدَّارِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا لَيْسُوا مُعَيَّنِينَ مَعْلُومِينَ عِنْدَ الْمُتَخَاطَبِينَ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ. وَمِنْهُ مَا لَوْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ كَفَلْت لِهَذَا بِمَا لَهُ