ضَمَانِ الدَّرَكِ، ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ لَهَا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ كَقَوْلِهِ إذَا اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ، أَوْ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ مِثْلُ قَوْلِهِ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ وَهُوَ مَكْفُولٌ عَنْهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى فُلَانٍ وَهُوَ أَلْفٌ أَوْ لِهَذَا بِمَا لَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ.
وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ كَفَلْت بِمَا لَك عَلَى فُلَانٍ أَوْ مَا لَك عَلَى فُلَانٍ رَجُلٌ آخَرُ جَازَ لِأَنَّهَا جَهَالَةٌ لِلْمَكْفُولِ عَنْهُ فِي غَيْرِ تَعْلِيقٍ وَيَكُونُ الْخِيَارُ لِلْكَفِيلِ فَيَحْتَاجُ إلَى فَرْقَيْنِ فَرْقٌ بَيْنَ الْمَكْفُولِ لَهُ. وَعَنْهُ فِي التَّنْجِيزِ حَيْثُ يَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ دُونَ الْمَكْفُولِ لَهُ. وَفَرْقٌ بَيْنَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فِي التَّنْجِيزِ وَالْإِضَافَةِ حَيْثُ يَصِحُّ فِي التَّنْجِيزِ دُونَ الْإِضَافَةِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْكَفَالَةَ فِي حَقِّ الطَّالِبِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ وَالْمَكْفُولُ لَهُ كَالْبَائِعِ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ مَا فِي ذِمَّةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ مِنْ الْكَفِيلِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ وَلَا يَصِحُّ بِدُونِ قَبُولِ الْمُشْتَرِي وَقَبُولُهُ يَسْتَلْزِمُ تَعْيِينَهُ فَكَانَتْ جَهَالَةُ الطَّالِبِ مَانِعَةً جَوَازَهَا كَجَهَالَةِ الْمُشْتَرِي مَانِعَةٌ لِلْبَيْعِ، وَالْكَفَالَةُ فِي حَقِّ الْمَطْلُوبِ بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ حَيْثُ صَحَّ مِنْ غَيْرِ قَبُولِهِ وَأَمْرِهِ فَلَا تَمْنَعُ جَهَالَتُهُ جَوَازَهَا كَمَا لَا تَمْنَعُ جَهَالَةُ الْمُعْتَقِ جَوَازَ الْعِتْقِ.
وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فِي الْإِرْسَالِ وَالتَّعْلِيقِ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَ إضَافَةِ الْكَفَالَةِ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي حَقِّ الطَّالِبِ. وَإِنَّمَا جُوِّزَ اسْتِحْسَانًا لِلتَّعَامُلِ وَالتَّعَامُلُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ مَعْلُومًا فَإِذَا كَانَ مَجْهُولًا يَبْقَى عَلَى الْقِيَاسِ. وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّ الْمُبْطِلَ هُوَ الْإِضَافَةُ لَا جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ. إذَا عُرِفَ هَذَا جِئْنَا إلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، فَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وَنُقِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْجَصَّاصِ تَضْعِيفُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ الْعِمَالَةِ لَا الْكَفَالَةِ. وَكَذَا قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ ضَامِنٌ عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا حَالُ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْأُجْرَةِ عَنْ نَفْسِهِ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ لَا الْكَفَالَةِ، وَضَمَانُ الْعِمَالَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزٌ كَمَنْ أَبَقَ عَبْدُهُ فَقَالَ مَنْ جَاءَ بِهِ فَلَهُ كَذَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْكَفَالَةِ بَلْ هُوَ الْعِمَالَةُ أَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ فِي الْآيَةِ مَجْهُولٌ وَلَا كَفَالَةَ مَعَ جَهَالَتِهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ سَتَأْتِي.
وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَالُوا: الِاسْتِدْلَال بِهِ صَحِيحٌ، فَإِنَّ الزَّعِيمَ حَقِيقَةُ الْكَفِيلِ، وَالْمُؤَذِّنُ إنَّمَا نَادَى الْعِيرَ عَنْ غَيْرِهِ وَهُوَ الْمَلِكُ، فَإِنَّ الْمَعْنَى الْمَلِكُ يَقُولُ لَكُمْ لِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ، لِأَنَّهُ إنَّمَا نَادَى بِأَمْرِهِ ثُمَّ كَفَلَ عَنْ الْمَلِكِ بِالْجُعْلِ الْمَذْكُورِ لَا عَنْ نَفْسِهِ، إلَّا أَنَّ فِيهِ جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ لَهُ، فَقَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى أَمْرَيْنِ: جَوَازُ الْكَفَالَةِ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ، وَجَوَازُهَا مُضَافَةٌ.
وَقَدْ عُلِمَ انْتِسَاخُ الْأَوَّلِ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِهَا مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ نَسْخَ الْآخَرِ كَمَا قُلْنَا بِجَوَازِ الْكَفَالَةِ عَنْ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ وَبُطْلَانِهَا مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ وَغَيْبَتِهِ لِحَدِيثِ «أَبِي قَتَادَةَ فِي قِصَّةِ الْمَيِّتِ الْمَدْيُونِ بِدِرْهَمَيْنِ فَقَالَ عَلِيٌّ هُمَا عَلَيَّ، فَصَلَّى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَيْهِ» فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ ثُمَّ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى انْتِسَاخِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ جَوَازُهَا مَعَ غَيْبَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ وَلَمْ يَقُمْ عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ الْكَفَالَةُ عَنْ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ، وَلَوْ لَمْ يَتِمَّ هَذَا كَفَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَعْنَى فِيهَا وَمِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ ضَمَانِ الدَّرَكِ.
وَلَمَّا كَانَ إضَافَةُ الْكَفَالَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ شَبَهِهِ بِالْبَيْعِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يُنَاسِبُ مَوْرِدَ النَّصِّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا مُلَائِمًا، وَمُلَاءَمَةُ الشَّرْطِ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلُزُومِ الْحَقِّ وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ (بِأَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ كَقَوْلِهِ إذَا اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ) فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَهُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا فِي الْآيَةِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بِالْجُعْلِ مُعَلَّقَةٌ بِسَبَبِ وُجُوبِهِ وَهُوَ الْمَجِيءُ بِصَاعِ الْمَلِكِ فَإِنَّهُ سَبَبُ وُجُوبِ الْجُعْلِ.
الثَّانِي (أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ مِثْلُ قَوْلِهِ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ وَهُوَ مَكْفُولٌ عَنْهُ) فَإِنَّ قُدُومَهُ سَبَبٌ مُوَصِّلٌ لِلِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ. الثَّالِثُ (أَنْ يَكُونَ