وَصَارَ كَمَا إذَا كَفَلَ لِشَجَّةٍ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَإِنْ اُحْتُمِلَتْ السِّرَايَةُ وَالِاقْتِصَارُ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا صَحِيحًا وَمُرَادُهُ أَنْ لَا يَكُونَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ، وَسَيَأْتِيك فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
قَالَ (وَالْمَكْفُولُ لَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ طَالَبَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ وَإِنْ شَاءَ طَالَبَ كَفِيلَهُ) لِأَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ الذِّمَّةِ إلَى الذِّمَّةِ فِي الْمُطَالَبَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي قِيَامَ الْأَوَّلِ لَا الْبَرَاءَةَ عَنْهُ، إلَّا إذَا شَرَطَ فِيهِ الْبَرَاءَةَ فَحِينَئِذٍ تَنْعَقِدُ حَوَالَةً اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى، كَمَا أَنَّ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ بِهَا الْمُحِيلُ تَكُونُ كَفَالَةً (وَلَوْ طَالَبَ أَحَدَهُمَا لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْآخَرَ وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُمَا) لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ الضَّمُّ، بِخِلَافِ الْمَالِكِ إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQنَصَّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى جَوَازِ ضَمَانِ الدَّرَكِ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا إذَا قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يُعَقِّبْهُ بِإِنْكَارٍ فَيُمْكِنُ أَنْ يُدَّعَى أَنَّ حِمْلَ الْبَعِيرِ كَانَ مِقْدَارًا مُعَيَّنًا كَمَا يُتَعَارَفُ فِي زَمَانِنَا أَنَّ الْحِمْلَ الصَّادِرَ خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ (وَصَارَ كَمَا لَوْ كَفَلَ بِشَجَّةٍ) أَيْ خَطَأٍ، فَإِنَّ الْعَمْدَ عَلَى تَقْدِيرِ السِّرَايَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ إذَا كَانَتْ بِآلَةٍ جَارِحَةٍ وَلَا كَفَالَةَ بِالْقِصَاصِ، وَإِذَا كَانَتْ خَطَأً فَفِي الْكَفَالَةِ بِهَا جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ بِهِ فَإِنَّهَا إنْ سَرَتْ إلَى النَّفْسِ وَجَبَ دِيَةُ النَّفْسِ وَإِلَّا فَأَرْشُ الشَّجَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ صَحَّ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الدَّيْنِ الصَّحِيحِ مَا لَا يَكُونُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إسْقَاطِ هَذَا الدَّيْنِ بِنَفْسِهِ بِأَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ وَلِأَنَّهُ لِلسَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ وَلَا دَيْنَ يَثْبُتُ لِلسَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ، وَكَذَا يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ دَيْنِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ دَيْنٌ حَتَّى يَمْنَعَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ حَقِيقَةَ الدَّيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِمَا ذَكَرْنَا. وَالدَّرَكُ التَّبِعَةُ وَفِيهِ فَتْحُ الرَّاءِ وَسُكُونُهَا.
(ثُمَّ الْمَكْفُولُ لَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ طَالَبَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَإِنْ شَاءَ طَالَبَ الْكَفِيلَ) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَعَنْ مَالِكٍ لَا يُطَالِبُ الْكَفِيلَ إلَّا إذَا تَعَذَّرَتْ مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ (وَلَهُ مُطَالَبَتُهُمَا) جَمِيعًا لِأَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ وَذَلِكَ يُسَوِّغُ مُطَالَبَتَهُمَا أَوْ مُطَالَبَةَ أَيِّهِمَا شَاءَ، إلَّا إذَا شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَحِينَئِذٍ لَا يُطَالِبُ الْأَصِيلَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا حِينَئِذٍ حَوَالَةٌ عُقِدَتْ بِلَفْظِ الْكَفَالَةِ تُجُوِّزَ بِهَا فِيهَا فَتَجْرِي حِينَئِذٍ أَحْكَامُ الْحَوَالَةِ، كَمَا أَنَّ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ الْأَصِيلُ تَنْعَقِدُ كَفَالَةً اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى فِيهِمَا (بِخِلَافِ الْمَالِكِ) الْمَغْصُوبِ مِنْهُ (إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ