وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» وَلِأَنَّ مَبْنَى الْكُلِّ عَلَى الدَّرْءِ فَلَا يَجِبُ فِيهَا الِاسْتِيثَاقُ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ لِأَنَّهَا لَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَيَلِيقُ بِهَا الِاسْتِيثَاقُ كَمَا فِي التَّعْزِيرِ (وَلَوْ سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِهِ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَرْتِيبُ مُوجِبِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ فِيهَا وَاجِبٌ فَيُطَالَبُ بِهِ الْكَفِيلُ فَيَتَحَقَّقُ الضَّمُّ. قَالَ (وَلَا يُحْبَسُ فِيهَا حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ مَسْتُورَانِ أَوْ شَاهِدٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ الْقَاضِي)
ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى أَنْ يَتُوبَ، لِأَنَّ شَرَّ هَذَا عَلَى النَّاسِ وَشَرَّ الْأَوَّلِ عَلَى نَفْسِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ» ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْكَلَاعِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَهُوَ مِنْ مَشَايِخِ بَقِيَّةِ الْمَجْهُولِينَ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ. فِي الْكَامِلِ عَنْ عُمَرَ الْكَلَاعِيِّ وَأَعَلَّهُ بِهِ. قَالَ: مَجْهُولٌ لَا أَعْلَمُ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ بَقِيَّةٍ، كَمَا يُرْوَى عَنْ سَائِرِ الْمَجْهُولِينَ (وَلِأَنَّ مَبْنَى الْكُلِّ) يَعْنِي الْحُدُودَ الْخَالِصَةَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَاَلَّتِي فِيهَا حَقُّ الْعَبْدِ كَالْقِصَاصِ (عَلَى الدَّرْءِ فَلَا يَجِبُ فِيهَا الِاسْتِيثَاقُ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَيَلِيقُ بِهَا الِاسْتِيثَاقُ كَمَا فِي التَّعْزِيرِ) حَيْثُ يُجْبَرُ الْمَطْلُوبُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ فِيهِ بِنَفْسِهِ.
هَذَا (وَلَوْ سَمَحَتْ نَفْسُهُ) أَيْ نَفْسُ الْمَطْلُوبِ (بِإِعْطَاءِ الْكَفِيلِ بِلَا جَبْرٍ) يَعْنِي فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ (جَازَ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَرْتِيبُ مُوجِبِهِ عَلَيْهِ) وَهُوَ تَسْلِيمُ النَّفْسِ (لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ فِيهِمَا وَاجِبٌ فَيُطَالِبُ بِهِ الْكَفِيلُ فَيَتَحَقَّقُ الضَّمُّ) وَمُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ إذَا سَمَحَ بِهَا فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ وَاجِبٌ فِيهَا، لَكِنْ نَصَّ فِي الْفَوَائِدِ الْخَبَّازِيَّةِ وَالشَّاهِيَة عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي الْحُدُودِ الَّتِي فِيهَا لِلْعِبَادِ حَقٌّ كَحَدِّ الْقَذْفِ لَا غَيْرُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَرِيبٍ، وَلِأَنَّهُ مُعَارِضٌ بِوُجُوبِ الدَّرْءِ (وَلَا يُحْبَسُ فِي الْحُدُودِ حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ مَسْتُورَانِ أَوْ شَاهِدٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ الْقَاضِي) أَنَّهُ عَدَلَ لِنَفْيِ الْمَجْهُولِ