قَالَ (وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) مَعْنَاهُ: لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا عِنْدَهُ، وَقَالَا: يُجْبَرُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَفِي الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ فَيَلِيقُ بِهِمَا الِاسْتِيثَاقُ كَمَا فِي التَّعْزِيرِ، بِخِلَافِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى.
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْكَفِيلُ يُنْكِرُ وُجُوبَهُ عَلَى الْأَصِيلِ فَعَلَى الْكَفِيلِ أَلْفُ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحَاصِلَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَحْدَهُ.
وَيُسْتَفَادُ بِهَا أَنَّ الْأَلْفَ تَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْمَكْفُولِ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْكَفِيلُ يُنْكِرُ وُجُوبَهُ عَلَى الْأَصِيلِ، وَسَنَذْكُرُ مَا يَظْهَرُ فِيهَا
(قَوْلُهُ وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعْنَاهُ لَا يُجْبَرُ) عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ (عِنْدَهُ، وَقَالَا: يُجْبَرُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ) وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ الدَّعْوَى (وَفِي الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ) لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْغَالِبُ فِيهِ ذَلِكَ، وَفِيهِ حَقُّ اللَّهِ لِإِخْلَاءِ الْأَرْضِ عَنْ الْفَسَادِ، وَمَعْنَى الْجَبْرِ لَيْسَ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يُعْطِيَ بَلْ يُلَازِمُهُ لَا يَدَعُهُ يَدْخُلُ بَيْتَهُ إلَّا وَهُوَ مَعَهُ أَوْ يَجْلِسُ مَعَهُ خَارِجَ الْبَيْتِ أَوْ يُعْطِيَ كَفِيلًا (بِخِلَافِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ) كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ وَإِنْ طَابَتْ نَفْسُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِعْطَاءِ الْكَفِيلِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ أَوْ قَبْلَهَا لِأَنَّ قَبْلَهَا لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ حُضُورَ مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِسَبَبِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْمَعُ دَعْوَى أَحَدٍ فِي الزِّنَا وَالشُّرْبِ فَلَمْ تَقَعْ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ لِحَقٍّ وَاجِبٍ عَلَى الْأَصِيلِ وَبَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ أَوْ شَهَادَةِ وَاحِدٍ عَدْلٍ يُحْبَسُ وَبِهِ يَحْصُلُ الِاسْتِيثَاقُ فَلَا مَعْنَى لِلْكَفَالَةِ، بِخِلَافِ مَا فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَإِنَّ حُضُورَهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ مُسْتَحِقٌّ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْقَذْفِ وَالْقَتْلِ حَتَّى يُجْبِرَهُ الْقَاضِي عَلَى الْحُضُورِ وَيَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَشْغَالِهِ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِإِحْضَارِهِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُحْبَسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى الِاسْتِثْيَاقِ فِيهِ أَكْثَرُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَبْسَ فِي هَذَا لَيْسَ لِلِاحْتِيَاطِ لِإِثْبَاتِ الْحَدِّ بَلْ لِتُهْمَةِ الْإِعَارَةِ وَالْفَسَادِ تَعْزِيرًا، وَإِذَا لَمْ يَكْفُلْ بِهِ مَاذَا يَصْنَعُ؟ قَالَ: يُلَازِمُهُ إلَى وَقْتِ قِيَامِ الْقَاضِي عَنْ الْمَجْلِسِ، فَإِنْ أَحْضَرَ الْبَيِّنَةَ فِيهَا وَإِلَّا خَلَّى سَبِيلَهُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الَّذِي يَجْمَعُ الْخَمْرَ وَيَشْرَبُهُ وَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ قَالَ: أَحْبِسُهُ وَأُؤَدِّبُهُ ثُمَّ أُخْرِجُهُ، وَمَنْ يُتَّهَمُ بِالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ وَضَرْبِ النَّاسِ فَإِنِّي أَحْبِسُهُ وَأُخَلِّدُهُ فِي السِّجْنِ