لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلتُّهْمَةِ هَاهُنَا، وَالتُّهْمَةُ تَثْبُتُ بِأَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ: إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ، بِخِلَافِ الْحَبْسِ فِي بَابِ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهُ أَقْصَى عُقُوبَةٍ فِيهِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَامِلَةٍ. وَذَكَرَ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يُحْبَسُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ لِحُصُولِ الِاسْتِيثَاقِ بِالْكَفَالَةِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْحَبْسَ هُنَا لِلتُّهْمَةِ) لَا لِاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ (وَالتُّهْمَةُ تَثْبُتُ بِأَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ، إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ) فَإِذَا وَقَعَتْ التُّهْمَةُ حُبِسَ بِالنَّصِّ، وَهُوَ مَا رَوَى بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ» وَقَدَّمْنَا تَخْرِيجَهُ وَالْكَلَامَ فِيهِ فِي الْحُدُودِ (بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ لِأَنَّ الْحَبْسَ أَقْصَى عُقُوبَةٍ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَالِ فَإِنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْمَالُ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ وَامْتَنَعَ مِنْ الْإِيفَاءِ يُحْبَسُ فَكَانَ أَقْصَى عُقُوبَةٍ فِيهَا.

أَمَّا الْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ فَأَقْصَى الْعُقُوبَةِ فِيهَا الْقَتْلُ، وَالْحَبْسُ نَوْعُ عُقُوبَةٍ فَجَازَ أَنْ يُعَاقَبَ بِالْحَبْسِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ.

وَفِي الصِّحَاحِ وَالْمُغْرِبِ: التُّهَمَةُ بِالتَّحْرِيكِ، وَأَصْلُ التَّاءِ فِيهِ وَاوٌ مِنْ وَهَمْت الشَّيْءَ أَهِمُهُ وَهْمًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ: أَيْ وَقَعَ فِي خُلْدِي، وَالْوَهْمُ مَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ مِنْ الْخَاطِرِ، وَاتَّهَمْت فُلَانًا بِكَذَا وَالِاسْمُ التُّهْمَةُ بِالتَّحْرِيكِ أَصْلُهُ اوْتَهَمْتُ كَمَا فِي اتَّكَلْت أَصْلُهُ اوْتَكَلْتُ بِمَعْنَى اعْتَمَدْت قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا ثُمَّ أُبْدِلَتْ مِنْهَا وَأُدْغِمَتْ فِي تَاءِ الِافْتِعَالِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَذَكَرَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يُحْبَسُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ لِحُصُولِ الِاسْتِيثَاقِ بِالْكَفَالَةِ) إذْ هُمَا يَقُولَانِ بِجَوَازِ الْكَفَالَةِ فَيَحْصُلُ بِهَا الْمَقْصُودُ فَكَانَ عَنْهُمَا رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ يُحْبَسُ وَلَا يَكْفُلُ، وَفِي أُخْرَى يَكْفُلُ وَلَا يُحْبَسُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِأَحَدِهِمَا. وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُولَى يُحْبَسُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى كَفِيلٍ، وَبِالثَّانِيَةِ يَكْفُلُ بِلَا حَبْسٍ إنْ قَدَرَ عَلَى الْكَفِيلِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُدُودِ حَدُّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015