وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ بَيَّنَهَا وَلِأَنَّهُ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ فَلَا يَجِبُ إحْضَارُ النَّفْسِ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فَلَا تَصِحُّ بِالْمَالِ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَيَّنَ. وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالَ ذُكِرَ مُعَرَّفًا فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا عَلَيْهِ، وَالْعَادَةُ جَرَتْ بِالْإِجْمَالِ فِي الدَّعَاوَى فَتَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى اعْتِبَارِ الْبَيَانِ، فَإِذَا بَيَّنَ الْتَحَقَ الْبَيَانُ بِأَصْلِ الدَّعْوَى فَتَبَيَّنَ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ الْأُولَى فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQدَعْهُ وَأَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ إلَى غَدٍ فَإِنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا فَعَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ فَرَضِيَ بِذَلِكَ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا، قَالَ عَلَيْهِ الْمِائَةُ الدِّينَارِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا إذَا ادَّعَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْحَقِّ أَنَّهُ لَهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ ادَّعَى وَلَمْ يُبَيِّنْهَا حَتَّى كَفَلَ لَهُ بِالْمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ ادَّعَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى دَعْوَاهُ، وَأَرَادَ بِالْوَجْهَيْنِ مَا إذَا بَيَّنَهَا: أَيْ ذَكَرَ أَنَّهَا جَيِّدَةٌ أَوْ رَدِيئَةٌ أَوْ وَسَطٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ كَذَا قِيلَ: وَالْأَفْيَدُ أَنْ يُرَادَ بِالْوَجْهَيْنِ مَا إذَا ادَّعَى الْمِائَةَ عَيَّنَهَا أَوْ لَا، وَمَا إذَا لَمْ يَدَّعِ شَيْئًا حَتَّى كَفَلَ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الْمِقْدَارَ الَّذِي سَمَّاهُ الْكَفِيلُ. لِمُحَمَّدٍ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَّقَ الْتِزَامَ مَالٍ مُطْلَقٍ بِخَطَرٍ هُوَ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ إذَا لَمْ يَنْسُبْ الْمِائَةَ إلَى مَا عَلَيْهِ وَهُوَ رِشْوَةٌ عَلَى أَنْ يَتْرُكَ الْمَطْلُوبَ فِي الْحَالِ فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُ هَذَا الْمَالِ أَوْ كَلَامُهُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ كَمَا يَحْتَمِلُ مَا يَدِّعِيهِ فَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ بِالشَّكِّ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَوَّلَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ، وَهَذَا الْوَجْهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ صِحَّتَهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى (وَلَمْ تَصِحَّ) مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّعَى بِهِ (مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ فَلَمْ يَجِبْ إحْضَارُ النَّفْسِ فَلَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فَلَمْ تَصِحَّ بِالْمَالِ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ) وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الْأُولَى لَمْ تَصِحَّ الثَّانِيَةُ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَوَّلَ الْكَرْخِيُّ وَهُوَ مُبْطِلٌ لِلْكَفَالَتَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالَ ذُكِرَ مُعَرَّفًا فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا عَلَيْهِ وَالْعَادَةُ جَرَتْ بِالْإِجْمَالِ فِي الدَّعَاوَى) قَبْلَ الْحُضُورِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي احْتِرَازًا عَنْ حِيَلِ الْخُصُومِ ثُمَّ يَقَعُ الْبَيَانُ فِيهِ (فَتَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى اعْتِبَارِ الْبَيَانِ، فَإِذَا بُيِّنَ الْتَحَقَ الْبَيَانُ بِأَصْلِ الدَّعْوَى فَيَتَبَيَّنُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ الْأُولَى فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا) صِحَّةُ (الثَّانِيَةِ) وَنَحْنُ قَدْ أَسْمَعْنَاك عِبَارَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمَالُ مُنْكَرٌ فِيهِ حَيْثُ قَالَ فَعَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ، وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، فَالْوَجْهُ أَنْ يَتْرُكَ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى وَيُقَالُ: إنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ الدَّعْوَى بِأَلْفٍ ظَهَرَ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَلْفَ الَّتِي سَيَدَّعِيهَا حُكَّامُنَا بِأَنَّ الْكَفِيلَ كَانَ يَدْرِي خُصُوصَ دَعْوَاهُ تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ مَا أَمْكَنَ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ حِينَ تَقَعُ عَلَى اعْتِبَارِ بَيَانِ الدَّعْوَى بِذَلِكَ الْقَدْرِ. وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّا لَا نَحْكُمُ حَالَ صُدُورِهَا بِالْفَسَادِ بَلْ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ عَلَى ظُهُورِ الدَّعْوَى بِذَلِكَ الْقَدْرِ، فَإِذَا ظَهَرَتْ ظَهَرَ أَنَّهُ إنَّمَا كَفَلَ بِالْأَلْفِ الْمُدَّعَى بِهِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ قَالَ: إذَا كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ الَّتِي عَلَيْهِ فَمَضَى غَدٌ وَلَمْ يُوَافِ بِهِ وَفُلَانٌ يَقُولُ: لَا شَيْءَ عَلَيَّ وَالطَّالِبُ يَدَّعِي أَلْفًا