(وَإِنْ قَبِلَ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَإِنْ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا وَالْأَوَّلُ ثَالِثُهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا فِي نَحْوِ الضِّيَافَةِ الْيَسِيرَةِ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا لَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فِي كُلِّ حُكْمٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَعُودَ فَيَحْلِفَ وَيُسْقِطَ الْمَالَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا لَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ عَنْهُ، وَالشَّيْءُ إذَا أُجْرِيَ مَجْرَى الشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ مُجْرًى مَجْرَاهُ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ وَهَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ صَرِيحِ الْإِقْرَارِ؟ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَعَمْ، وَتَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِيمَا قَالَ فِي الدَّعْوَى مِنْ رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ وَقَضَى الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي بِهَا ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُدَّعِي قَالَ: يَسْمَعُ الْقَاضِي بَيِّنَتَهُ وَتُرَدُّ الدَّارُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَقَامَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ لَا تُقْبَلُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ: لَا تُقْبَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالنُّكُولُ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ، وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: لَيْسَ بِصَرِيحِ الْإِقْرَارِ فَيُقْبَلُ، وَفِي الْإِيضَاحِ إنْ رَدَّ عَلَى الْوَكِيلِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ يَلْزَمُهُ خَاصَّةً سَوَاءٌ كَانَ فِي عَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَوْ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْفَسْخَ عَقْدٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَالْمُوَكِّلُ ثَالِثُهُمَا انْتَهَى.
يَعْنِي الْفَسْخَ الَّذِي بِلَا قَضَاءٍ، وَقَوْلُهُ (وَإِنْ قَبِلَ) يَعْنِي الْمُشْتَرِي الْأَوَّلَ (بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي) بَلْ بِرِضَاهُ (لَا يَرُدُّهُ) عَلَى بَائِعِهِ، هَذَا هُوَ الشِّقُّ الثَّانِي مِنْ تَرْدِيدِ الْمَسْأَلَةِ، وَحَاصِلُهَا أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ غَيْرَهُ فَبَاعَهُ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ بِأَحَدِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَإِنْ قَبِلَهُ بِالتَّرَاضِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالتَّرَاضِي بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ وَالْبَائِعُ الْأَوَّلُ ثَالِثُهُمَا كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي، وَلَوْ اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا خُصُومَةَ فَكَذَا هَذَا، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فِي الدَّارِ شُفْعَةٌ فَأَسْقَطَ الشَّفِيعُ حَقَّهُ فِيمَا بَاعَهُ ثُمَّ رُدَّ بِعَيْبٍ بِالتَّرَاضِي تَجَدَّدَ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ اشْتَرَى ثَانِيًا مَا بَاعَ فَلَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الْخُصُومَةِ فِي الرَّدِّ وَلَا فِي الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَرُدُّهُ إذَا قَبِلَهُ بِلَا قَضَاءٍ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ عِنْدَهُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَتَفَاوَتْ الرَّدُّ بِالْقَضَاءِ وَالرِّضَا، وَنَحْنُ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ وَبِالرِّضَا بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَإِنْ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا، فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا بَاشَرَ سَبَبَ الْفَسْخِ، وَهُوَ النُّكُولُ أَوْ الْإِقْرَارُ بِالْعَيْبِ يَكُونُ رَاضِيًا بِحُكْمِ السَّبَبِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالرِّضَا فِي وُجُوبِ كَوْنِهِ بَيْعًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا أَقَرَّ بِالْعَيْبِ وَأَبَى الْقَبُولَ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي جَبْرًا فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ مَعْنَى الْبَيْعِ لِعَدَمِ الرِّضَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَعْنَى الْإِقْرَارِ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا قَبِلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَقَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَلَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ، وَاسْتَشْكَلَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّهُ فَسْخٌ فِي الْأَصْلِ مَسَائِلُ: إحْدَاهَا الْمَبِيعُ لَوْ كَانَ عَقَارًا لَا يَبْطُلُ حَقُّ الشَّفِيعِ فِي الشُّفْعَةِ.
وَلَوْ كَانَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بِالْبَيِّنَةِ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ بَطَلَ حَقُّ الشَّفِيعِ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ مِنْ الْأَصْلِ، وَالثَّانِيَةُ مَا إذَا بَاعَ أَمَتَهُ الْحُبْلَى وَسَلَّمَهَا فَرُدَّتْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَاهُ أَبُو الْبَائِعِ لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ، وَلَوْ كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ صَحَّتْ كَمَا لَوْ لَمْ يَبِعْهَا الِابْنُ فَادَّعَاهُ الْأَبُ، وَالثَّالِثَةُ مَا لَوْ أَحَالَ غَرِيمَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَدَّ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ وَلَوْ كَانَ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ بَطَلَتْ، أُجِيبَ بِبَيَانِ الْمُرَادِ وَهُوَ أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي مَوَاضِعَ أَنَّ بِالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ يَعُودُ مِلْكُ الْمَوْهُوبِ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْوَاهِبِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لَا فِيمَا مَضَى؛ أَلَّا تَرَى أَنَّ مَنْ وَهَبَ مَالَ الزَّكَاةِ إلَى رَجُلٍ قَبْلَ الْحَوْلِ فَسَلَّمَهُ إلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَاهِبِ زَكَاةٌ