غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ لَكِنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ، وَمَعْنَى الْقَضَاءِ بِالْإِقْرَارِ أَنَّهُ أَنْكَرَ الْإِقْرَارَ فَأُثْبِتَ بِالْبَيِّنَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِالْبَيِّنَةِ حَيْثُ يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ هُنَاكَ وَاحِدٌ وَالْمَوْجُودُ هَاهُنَا بَيْعَانِ، فَيُفْسَخُ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ لَا يَنْفَسِخُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْإِقْرَارِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ عَلَى مَا فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْعَيْبِ فَيُنْكِرُ الْإِقْرَارَ فَيُشْهِدُ عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ، فَإِنَّ إقْرَارَهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ لِجَوَازِ كَذِبِ الشُّهُودِ وَوَهْمِهِمْ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ بَعْدَ الرَّدِّ لَيْسَ بِهِ عَيْبٌ لَا يَرُدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالِاتِّفَاقِ، أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ (لَكِنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ) فَانْعَدَمَ إنْكَارُهُ الْعَيْبَ هَذَا بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ إنْكَارَهُ ظَاهِرٌ فِي الصِّدْقِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ كَوْنُهُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَفْعَلُهُ فَصَارَ ظَاهِرًا يُعَارِضُ ظَاهِرَ الدِّيَانَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِصِدْقِهِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ ظَاهِرًا فِي صِدْقِهِ فَقَدْ ثَبَتَ كَوْنُ هَذَا الظَّاهِرِ غَيْرَ وَاقِعٍ لِتَكْذِيبِ الشَّرْعِ إيَّاهُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا عَيْبَ بِهِ بَعْدَ الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ لَا مُكَذِّبَ لَهُ، وَقَدْ يُقَالُ: تَكْذِيبُ الشَّرْعِ إيَّاهُ بِإِثْبَاتِ الْعَيْبِ لَا يَرْفَعُ مُنَاقَضَتَهُ، وَكَوْنَهُ مُؤَاخَذًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِزَعْمِهِ وَهِيَ الدَّافِعَةُ لِخُصُومَتِهِ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فَيَرُدَّهُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا رُدَّ مَا بَاعَهُ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِالْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ مِنْ الْمَأْمُورِ بِالْعَيْبِ، كَذَا لَفْظُ الْجَامِعِ حَيْثُ يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى خُصُومَةٍ وَالرَّدُّ عَلَيْهِ بِالْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْبَيْعِ حَتَّى يَكُونَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ قَائِمًا بَعْدَ انْفِسَاخِ الْبَيْعِ الثَّانِي فَيُحْتَاجُ إلَى الْخُصُومَةِ فِي الرَّدِّ، وَهُنَا الْبَيْعُ وَاحِدًا فَإِذَا ارْتَفَعَ رَجَعَ إلَى الْمُوَكِّلِ مِنْ غَيْر تَكَلُّفِ زِيَادَةٍ.
وَقَيَّدَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ، فَقَالَ: لَهُ الرَّدُّ بِالْبَيِّنَةِ وَبِإِبَاءِ الْيَمِينِ وَبِالْإِقْرَارِ هُوَ عَيْبٌ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ، أَمَّا فِي عَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ يَرُدُّهُ بِالْبَيِّنَةِ وَبِإِبَاءِ الْيَمِينِ وَلَا يَرُدُّهُ الْمَأْمُورُ مَعَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَأْمُورِ لَا يُسْمَعُ عَلَى الْآمِرِ، وَمَعْنَى اشْتِرَاطِ الْبَيِّنَةِ أَوْ النُّكُولِ أَوْ الْإِقْرَارِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَنَّهُ إذَا اشْتَبَهَ عَلَى الْقَاضِي أَنَّ هَذَا عَيْبٌ قَدِيمٌ أَوْ لَا أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي مُدَّةِ شَهْرٍ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ تَارِيخُ الْبَيْعِ فَاحْتَاجَ الْمُشْتَرِي إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْحُجَجِ أَنَّ تَارِيخَ الْبَيْعِ مُنْذُ شَهْرٍ فَيَعْلَمُ الْقَاضِي حِينَئِذٍ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ، أَمَّا إذَا عَايَنَ الْقَاضِي تَارِيخَ الْبَيْعِ وَالْعَيْبُ ظَاهِرٌ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ الرَّدُّ عَلَى الْوَكِيلِ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ بِلَا زِيَادَةِ خُصُومَةٍ.
وَقَدْ اعْتَرَضَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ بِنُكُولِ الْوَكِيلِ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ، فَإِنَّ النُّكُولَ بَذْلٌ عِنْدَهُ إقْرَارٌ عِنْدَهُمَا، وَبَذْلُ الْإِنْسَانِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَإِقْرَارُ الْوَكِيلِ بِالْعَيْبِ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ فِي عَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ، أَجَبْت بِأَنَّهُ لَيْسَ حَقِيقَةً بَلْ جَارٍ مَجْرَاهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى بِمَالٍ عَلَى عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ مَعَ أَنَّ بَذْلَهُ الْمَالَ لَا يَجُوزُ