أَنَّ فِي الْمَغَازِي لِابْنِ إِسْحَاقَ رِوَايَةَ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ وَفِيهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَكَأَنَّهَا رَجَعَتْ عَنِ الْإِنْكَارِ لِمَا ثَبَتَ عِنْدَهَا مِنْ رِوَايَةِ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ لِكَوْنِهَا لَمْ تَشْهَدِ الْقِصَّةَ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ كَانَ عِنْدَ عَائِشَةَ مِنَ الْفَهْمِ وَالذَّكَاءِ وَكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ وَالْغَوْصِ عَلَى غَوَامِضِ الْعِلْمِ مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ لَكِنْ لَا سَبِيلَ إِلَى رَدِّ رِوَايَةِ الثِّقَةِ إِلَّا بِنَصٍّ مِثْلِهِ يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ أَوْ تَخْصِيصِهِ أَوِ اسْتِحَالَتِهِ فَكَيْفَ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الَّذِي أَنْكَرَتْهُ وَأَثْبَتَهُ غَيْرُهَا مُمْكِنٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى انك لَا تسمع الْمَوْتَى لَا يُنَافِي قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُمُ الْآنَ يَسْمَعُونَ لِأَنَّ الْإِسْمَاعَ هُوَ إِبْلَاغُ الصَّوْتِ مِنَ الْمُسْمِعِ فِي أُذُنِ السَّامِعِ فَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَسْمَعَهُمْ بِأَنْ أَبْلَغَهُمْ صَوْتَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَأَمَّا جَوَابُهَا بِأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ إِنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ فَإِنْ كَانَتْ سَمِعَتْ ذَلِكَ فَلَا يُنَافِي رِوَايَةَ يَسْمَعُونَ بَلْ يُؤَيِّدُهَا وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ مَا مُحَصَّلُهُ إِنَّ فِي نَفْسِ الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى خَرْقِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ الصَّحَابَةِ لَهُ أَتُخَاطِبُ أَقْوَامًا قَدْ جَيَّفُوا فَأَجَابَهُمْ قَالَ وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونُوا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ عَالِمِينَ جَازَ أَنْ يَكُونُوا سَامِعِينَ وَذَلِكَ إِمَّا بآذان رؤوسهم عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ أَوْ بِآذَانِ قُلُوبِهِمْ قَالَ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ السُّؤَالَ يَتَوَجَّهُ عَلَى الرُّوحِ وَالْبَدَنِ وَرَدَّهُ مَنْ قَالَ إِنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ بِأَنَّ الْإِسْمَاعَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِأُذُنِ الرَّأْسِ وَلِأُذُنِ الْقَلْبِ فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ حُجَّةٌ قُلْتُ إِذَا كَانَ الَّذِي وَقَعَ حِينَئِذٍ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ لَمْ يَحْسُنِ التَّمَسُّكُ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ أَصْلًا وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمُرَادِ بِالْمَوْتَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَكَذَلِكَ الْمُرَادُ بِمَنْ فِي الْقُبُورِ فَحَمَلَتْهُ عَائِشَةُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَجَعَلَتْهُ أَصْلًا احْتَاجَتْ مَعَهُ إِلَى تَأْوِيلِ قَوْلِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَقِيلَ هُوَ مَجَازٌ وَالْمُرَادُ بِالْمَوْتَى وَبِمَنْ فِي الْقُبُورِ الْكُفَّارُ شُبِّهُوا بِالْمَوْتَى وَهُمْ أَحْيَاءٌ وَالْمَعْنَى مَنْ هُمْ فِي حَالِ الْمَوْتَى أَوْ فِي حَالِ مَنْ سَكَنَ الْقَبْرَ وَعَلَى هَذَا لَا يَبْقَى فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى مَا نَفَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَالله أعلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015