وأما ما يثيره المستشرقون من شبهات وأباطيل حول تعدد زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويعتمدون على روايات باطلة وواهية لاسيما ما جاء في قصة زواجه - صلى الله عليه وسلم- بزينب بنت جحش - رضي الله عنها- والمستشرقون وأبواقهم يقصدون من وراء ذلك النيل من كرامة النبي - صلى الله عليه وسلم- والطعن في رسالته، وتشكيك المؤمنين في دينهم ورسولهم، "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" [الصف:8] ، ولنعلم أن تعدد زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم- سنة من سنن المرسلين الذين كانوا قبله، كما قال سبحانه وتعالى: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً" [الرعد: من الآية38] ، ولتعدد زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم- حكم ومقاصد سامية لا تخفى على من نظر بعين الإنصاف، وتجرد من الهوى والمقاصد السيئة، ولنعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يعدد إلا بعد بلوغه سن الشيخوخة أي بعد أن جاوز من العمر الخمسين، ثم إن جميع زوجاته الطاهرات ثيبات (أرامل) ، ما عدا عائشة - رضي الله عنها- فهي بكر، ولعل من أظهر الحكم لتعدد زوجاته أنه - صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء والمرسلين، ودينه خاتم الأديان، وشريعته عامة لكل البشر في كل زمان ومكان، وكان حريصاً غاية الحرص على أن تبلغ عقائد هذا الدين وشرائعه، وآدابه وأخلاقه إلى جميع البشر، وقد كان لزوجاته الطاهرات دور عظيم في تبليغ الشريعة ونشر السنة لا سيما ما يتعلق بحياة النبي - صلى الله عليه وسلم- الزوجية والبيتية مثل الأحكام المتعلقة بالمعاشرة الزوجية، وكيفية الاغتسال من الجنابة والقبلة أثناء الصوم ونحو ذلك، وقد قال الله -تعالى- مخاطباً أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -"وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ" [الأحزاب: من الآية34] ، وقد قمنا بهذه المهمة خير قيام، ومن يطلع على كتب السنة يجدها زاخرة بالأحاديث التي جاءت عن طريقهن ولو نظرنا على وجه التفصيل لوجدنا أن هناك مقاصد سامية لاختيار تلك الزوجات الطاهرات أمهات المؤمنين، وهذا عرض موجز لزوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- يتضح من خلاله وجوه متعددة من الحكم والمقاصد.

(1) خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها -: وهي أول أزواجه عليه السلام، تزوجها الرسول - صلى الله عليه وسلم - الكريم قبل البعثة وهو ابن خمس وعشرين سنة، وهي ثيب بنت أربعين، وكانت امرأة عاقلة ذات رأي وحكمة وسداد وقد وقفت بكل صدق وإيمان إلى جنب النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما جاءه الملك في غار حراء، فقد رجع إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يرجف فؤاده، وهو يقول زملوني زملوني، حتى ذهب عنه الروع، فحدَّث خديجة بالخبر، وقال لها: "لقد خشيت على نفسي، فقالت له: أبشر، كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق ... "، والحديث في الصحيحين البخاري (4) ومسلم (160) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015