وكذلك روى ابن جرير بإسناده عن مجاهد - رحمه الله - في قوله: "واستفزز من استطعت منهم بصوتك " قال: باللهو والغناء.
ومن الأدلة أيضاً قوله - تعالى -:" والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً " [الفرقان: 72] .
قال ثعلب: " الزور: مجالس اللهو "، وقال الزجاج: " الزور: مجالس الغناء " وهو قول محمد الحنفية، وغيرهم من أهل العلم.
وقال ابن القيم:" المعنى: لا يحضرون مجالس الباطل، ويدخل في هذا أعياد المشركين - كما فسرها به السلف - والغناء وأنواع الباطل كلها.
وأما من السنة الشريفة فدونك ما رواه البخاري "5590" في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف.. الحديث"، وقد رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم إلا أن ابن حجر العسقلاني قد ذكر في شرحه على الحديث أن جماعة من الحفاظ قد رووه موصولاً منهم: الإسماعيلي في مستخرجه، وأبو نعيم كذلك في مستخرجه على البخاري، والطبراني في معجمه، وابن حبان في صحيحه، وقد ذكر هذه الروايات كلها في (فتح الباري) .
كما ذكر الحافظ ابن رجب أن البيهقي أخرج الحديث موصولاً من طريقه الحسن ابن سفيان، حدثنا هشام بن عمار، فذكره قال ابن رجب: " فالحديث صحيح محفوظ عن هشام بن عمار " وكذا قال ابن القيم: إن هذا حديث صحيح ثم استطرد في الجواب الحسن الفائق مع كل من رد الحديث بدعوى الانقطاع كابن حزم وغيره.
قلت: والمعازف في الحديث، هي: آلات الطرب والغناء ومزامير الشيطان والخنا، سيما ما أحدث في هذا العصر من آلات ومزامير وأبواق وأعواد وأوتار تورث سامعيها السكرة، وتجلب لهم الخزي والعار، وتسبب الدياثة وذهاب الغيرة واستيلاء العهد والفجور.
من الأدلة ما رواه أحمد " 8851 "، ومسلم " 2114"، وأبو داود "2556"، والنسائي في السنن الكبرى " 8761"، وابن خزيمة " 2554" من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" الجرس مزامير الشيطان ".
قال العلامة حمود بن عبد الله التويجري في فصل الخطاب:" وإذا كان الجرس من مزامير الشيطان فما الظن بما هو " أحسن " منه نغمة وأشد إطراباً من أنواع المعازف والمزامير والموسيقى التي قد ظهرت في زماننا واستحلها كثير من السفهاء؟ أ. هـ.
قلت: وقد اتفق الأئمة الأربعة على تحريم الملاهي التي هي آلات اللهو كالعود، ونحوه ... وقال شيخ الإسلام - رحمه الله -: والمقصود هنا أن آلات اللهو محرمة عند الأئمة الأربعة، ولم يحك عنهم نزاع في ذلك، وأما الغناء المجرد الخالي من آلات الطرب فمحرم عند أبي حنيفة ومالك ورواية عن الشافعي وأحمد، والرواية الأخرى عنهما الكراهة، إلا أن الكراهة المروية عنهما محمولة على أشعار الزهد الملحنة بصوت الشاعر، وإليه أشار ابن القيم في (مدارج السالكين) - فليراجع.