اللهم إلا إذا كان القبر أدخل إلى المسجد بعد بنائه، فهذا ينبش ويخرج، لكن وفق ما ذكرنا من تحقق المصالح وانتفاء المفاسد. وما سوى ذالك فالأصل ترك القبور وعدم نبشها. وإذا حصل ونبش قبر من هذه القبور فإن الغرض هو إخفاء معالمه حتى لا يعبد ويعظم فإن كان في إخفائه عن ورثته مصلحة فهذا أولى وإن كان يتوقع حصول مفسدة منهم باعتداء ونحوه بسبب عدم تمكينهم منه فينبغي أن يمكنوا منه بتسليمهم رفاته وعظامه درءاً للمفسدة. وهذا يشهد لما ذكرنا من وجوب الكف عن هذه الأفعال والاشتغال بما لا ينفر الناس حتى يأتي الوقت المناسب لإزالة هذه المنكرات بعد أن يتهيأ الناس نفسياً وعلمياً. ويلتحق بما ذكرنا مسألة تطبيق حكم الشرع في قرية أو محلة لم تستوف الشروط اللازمة لإمكان تطبيق أحكام الشرع بما يكفل مصالح الناس، ويدرأ عنهم المفاسد المتوقعة، وأحكام الشرع التي يتعذر تطبيقها هي: الأحكام التي تحتاج إلى سلطة وقوة في تنفيذها وهي الحدود من القطع والرجم، فإنها تحتاج - كما أسلفنا - إلى قوة ومنعة وإلى سيادة حقيقية على الأرض، وإلى بيعة وحاكم مطاع. وهذه لا تتأتى لأهل قرية في كردستان ونحوها. لكن عليهم أن يجتهدوا في التعاون على فعل الخير ومقاومة الفساد والمنكرات والحفاظ على الأمن بحيث يصبح صاحب المنكر غريباً مبغوضاً لا مكان له بينهم وعليهم أن يتعاونوا في تأمين حاجات الناس من التعليم والصحة وغيرها، وأن يستقلوا بذلك عن العلمانيين الذين يجعلون من تأمين هذه الحاجات وسيلة إلى السيطرة ومحاربة المصلحين. وإن من الغفلة والخطأ أن تتركوا لأهل الباطل قلوب الناس ودنياهم، فلا يرون فيكم سوى وعاظ لا برنامج لديهم ولا طموح، فلا يرون فيكم بديلاً مناسباً، بل اجمعوا للناس بين الدين والدنيا، وهذه فرصتكم، ولا تظهروا لخصومكم أنكم تنزعون نحو الانفصال ولا تقبلون التعايش مع مجتمعكم، بل ادعوا واغلبوا أهل الفساد والباطل بوسائل مكافئة ومحققة للأهداف، ولا تستعجلوا الخطوات فتعاقبوا بعثرات مبكرة ومواجهات لا تخدم مستقبل الدعوة، واعلموا أن أهل الباطل في الداخل والخارج لن يتركوكم وما تريدون، واعتبروا بدول ذات سيادة حوصروا وحوربوا حتى اضطروا إلى التنازل والتراجع فكيف بقرية محصورة وعدد قليل. فاحذروا الحماس واستعجال النتائج، نحن معكم في الطموح والرغبة الصادقة في تحقيق الخير للناس وحكمهم بشرع الله، ونتمنى أن تكون بلاد المسلمين كلها كذلك، ولكن لسنا معكم في هذا التوقيت وهذا التبسيط ونرى أن العاقل من وعظ بغيره واعتبر بمن سبقه.
فيا ليت إخواننا من أهل السنة في كردستان العراق يحققون قدراً أكبر من التعاون والتشاور فيما بينهم، وينظرون إلى العواقب بعين واعية ويغلبون المصالح العامة على الاجتهادات الخاصة، ويحذرون الاستعجال ويستشيرون في الأمور الكبيرة التي تؤثر على مستقبلهم. وفقكم الله وجمع على الحق كلمتكم.،،،