وحتى يدفن المسلم، يوجه إلى القبلة كما فُعِل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه -رضي الله عنهما-، وكما هو حال جميع مقابر المسلمين قديماً وحديثاً، وهذا كله يدل على تكريم هذه الجهة حتى في غير الصلاة.
ويدل على أن تكريم هذه الجهة مقصد شرعي: النهي الصريح الصحيح عن استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة (صحيح البخاري رقم 144، وصحيح مسلم رقم264،265) .
ولذلك فقد جاء عن جمع من السلف استحباب الجلوس مستقبل القبلة.
ففي المصنف لابن أبي شيبة (8/675) بإسناد صحيح: "أن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- جلس مستقبل القبلة"، وأورده ابن أبي شيبة مع آثار أخرى، تحت باب (من كان يستحب إذا جلس أن يجلس مستقبل القبلة) .
وانظر أيضاً: (الأدب المفرد للبخاري (رقم1137) ، وأدب الإملاء والاستملاء للسمعاني رقم119) .
ويظهر من ذلك أن المقصود من هذا الحديث مطلب شرعي صحيح، وهو تكريم جهة القبلة، والحرص على الجلوس باستقبالها في حال المجالس الفاضلة.
وقد عبر المناوي في (فيض القدير 2/512) عن ذلك تعبيراً حسناً، فقال: "يشير إلى أن كل حركة وسكون من العبد على نظام العبودية، بحسب نيته، في يقظته ومنامه، وقعوده وقيامه، وشرابه وطعامه، تشرف حالته بذلك، فيتحرى القبلة في مجلسه، ويستشعر هيئتها، فلا يعبث، فيسن المحافظة على استقبالها"، والله أعلم.