أنه في عهد عثمان - رضي الله عنه - وعلى التحديد عام ثلاثين للهجرة أخذت مهمة تعليم القرآن التي كانت موكولة إلى القراء تتعرض لخطر اختلاف القراءات باختلاف القراء المعلمين، وقول كل منهم إن قراءته هي الأدق، وخصوصاً بعد توسع الفتوحات الإسلامية، ودخول كثير من غير العرب في الإسلام، ومضى حذيفة بن اليمان الذي كان رفيق سعيد بن العاص في فتح أذربيجان، وأعلن عن تخوفه من أن يختلف الناس على القرآن، ومضى حذيفة إلى عثمان فأخبره بما رأى، وهو يقول: أنا النذير العريان فأدركوا الأمة. واستجاب لحذيفة، وقرر عثمان نسخ مصحف إمام، فأرسل إلى حفصة يطلب منها المصاحف التي كان قد نسخها أبو بكر فأرسلتها، وأمر زيداً ليقوم بالمهمة التي قام بها أيام أبى بكر، وضم إليه عبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقال لهم، إذا اختلفتم فاكتبوه بلسان قريش ففعلوا. وبعد أن نسخوا المصحف ردَّ عثمان إلى حفصة نسختها، وأرسل إلى كل أفق بمصحف وحرق ما سوى ذلك انظر صحيح البخاري (4988) .
وحدد عثمان - رضي الله عنه - مع الكُتّاب - رضي الله عنهم - الأسس والمنهج الذي يعتمدون عليه في نسخ المصاحف العثمانية، وهي:
1- لا يكتب شيء إلا بعد التحقق من أنه قرآن.
2- لا يكتب شيء إلا بعد العلم بأنه استقر في العرضة الأخيرة التي عرضها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم.
3- لا يكتب شيء إلا بعد التأكد أنه لم ينسخ.
4- لا يكتب شيء إلا بعد عرضه على جمع من الصحابة.
5- إذا اختلفوا في شيء من القرآن كتبوه بلغة قريش.
6- يحافظ على القراءات المتواترة، ولا تكتب قراءة غير متواترة.
7- اللفظ الذي لا تختلف فيه وجوه القراءات يرسم بصورة واحدة.
فالضوابط التي حددها عثمان -رضي الله عنه- لا تجعل مجالاً للشك في أن الذي بين أيدي المسلمين اليوم إنما هو عين القرآن الذي أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-.