المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/الأحكام التكليفية
التاريخ 14/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد بحثاً وافياً للتفريق بين المطلق والعام مدعماً بالأمثلة. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
العام والمطلق مصطلحان من المصطلحات الأصولية، وقد تكلم عنهما الأصوليون في مباحث دلالات الألفاظ، حيث يخصصون لكل مصطلح منهما مبحثاً خاصاً، ويتناولون فيه هذا المصطلح من جميع الجوانب التي يحتاج إليها، ومع ذلك فإن هذين المصطلحين بينهما قدر من التشابه، مما يجعل أحدهما قد يلتبس بالآخر في نظر بعض الناس، ولأجل ذلك فإني سأعرف هذين المصطلحين قبل أن أتكلم عن الفرق بينهما، فأقول: عرف الأصوليون العام بتعريفات كثيرة، ومن أجودها أنه: اللفظ الدال على جميع أجزاء ماهية مدلوله. مثل: قوله تعالى:"إن الإنسان لفي خسر" [العصر: 2] فالإنسان لفظ عام دال على جميع ما يصدق عليه أنه إنسان، فكل إنسان في خسر إلا من آمن وعمل صالحاً، وقوله تعالى:"كل نفس ذائقة الموت" [الأنبياء: 35] فيعم كل نفس، ولذلك فإنه لا توجد نفس لا تذوق الموت، ونحو ذلك، أما المطلق فقد عرفه الأصوليون بتعريفات كثيرة، ومن أجودها أنه: اللفظ الدال على الماهية المجردة عن وصف زائد، مثل قوله تعالى:"فتحرير رقبة" [النساء: 92] ، فالرقبة هنا مطلقة من حيث الإسلام والكفر، والطول والقصر، والسواد والبياض، والذكر والأنثى، وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الترمذي (1101) ، وأبو داود (2085) ، وابن ماجة (1881) وغيرهم:"لا نكاح إلا بولي" فالولي في هذا الحديث مطلق من حيث إنه لم يشترط فيه أي شرط، ونحو ذلك.
أما الفرق بين هذين المصطلحين: فقد جرت عادة العلماء حينما يتعرضون لبيان الفرق بين المصطلحات أنهم يفرقون بينهما من جهتين: الأولى: من حيث حقيقة كل منهما. والثانية: من حيث الأحكام المتعلقة بكل منهما. وعلى هذا نسير في بيان الفرق بين هذين المصطلحين.
أولاً: من حيث الحقيقة، فالعام: اللفظ الدال على جميع أجزاء ماهية مدلوله. والمطلق: اللفظ الدال على الماهية المجردة عن وصف زائد، وقد سبق ضرب الأمثلة على هذين التعريفين. أما الفرق بينهما من حيث الحكم فالمطلق إذا ورد في التركيب لا يلزم منه أن يتناول جميع الأفراد التي تصلح للدخول تحته، بل يكفي للخروج من العهدة أقل ما يطلق عليه الاسم، فمثلاً قوله تعالى:"فتحرير رقبة" [النساء: 92] لا يلزم المكلف تحرير كل الرقاب -ولو كان من قبيل العام للزمه تحرير كل الرقاب-، وإنما يكفيه للخروج من العهدة تحرير رقبة واحدة، أما العام فإنه يتناول جميع الأفراد الصالحة للدخول تحته، ولا يخرج المكلف من العهدة إلا بفعل الجميع، فمثلاً قوله تعالى:"فسجد الملائكة كلهم أجمعون" [الحجر: 30] دلت هذه الآية على العموم فكل الملائكة يدخلون في هذا العموم، ولم يخرج أحد منهم، ولو كان من قبيل المطلق لكفى واحد للخروج من العهدة.
وهذا الفرق يذكره بعض العلماء بعبارة أخرى، كما نقله الأنصاري في تهذيب الفروق المطبوع مع الفروق للقرافي (1/172) حيث يقول:" وعين ما فرّق به الأصوليون بين العام والمطلق: أن عموم العام شمولي؛ لأنه يشمل جميع الأفراد الداخلة تحته بخلاف عموم المطلق نحو رجل وأسد فإنه بدلي، لأنه لا يشمل جميع الأفراد الداخلة تحته وإنما يكفي واحد منها، فليس ما صدق المطلق والعام واحداً، بل ما صدق المطلق ألفاظ عمومها بدلي، وما صدق العام ألفاظ عمومها شمولي.
ومن أراد الاستزادة من كلام أهل العلم في هذه المسألة فعليه بالكتب التالية:
(1) شرح مختصر الروضة للطوفي (2/448) .
(2) كشف الأسرار للبخاري (2/24-25) .
(3) شرح الكوكب المنير لابن النجار (3/101) .
(4) الفروق للقرافي (1/95-96) .
والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.