من هو المكلف شرعاً؟

المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/الأحكام التكليفية

التاريخ 12/04/1425هـ

السؤال

من هو المكلف؟ وهل صحيح أن نقول إن المكلف هو كل من يميز بين الحق والباطل؟ أو الحرام من الحلال؟ والله من وراء القصد.

الجواب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد تحدث العلماء عن التكليف وما يتعلق به في كتب أصول الفقه، في مباحث الحكم الشرعي، حيث قسم العلماء الحكم الشرعي إلى قسمين: تكليفي، ووضعي، والذي يهمنا من هذين القسمين هو الحكم التكليفي، ومن جملة المسائل التي تناولها العلماء في الحكم التكليفي: مسألة من المكلف؟ ومتى يكون الإنسان مكلفاً؟ وما هي الشروط اللازم توفرها في الإنسان ليكون مكلفاً؟ ونحو ذلك، مما يقدم تصوراً واضحاً لحقيقة الشخص المكلف، والذي يتلخص من كلامهم أن المكلف: البالغ العاقل المختار الذي يفهم الخطاب ولذلك فقد ذكر العلماء الشروط التي إذا توفرت في الإنسان أصبح مكلفاً، وإذا فقدت كلها أو بعضها لم يثبت التكليف، وفيما يأتي أذكر هذه الشروط مع توضيح بسيط لكل شرط:

الشرط الأول: أن يكون بالغاً، والبلوغ هو: انتهاء حد الصغر، ويتحقق البلوغ بإحدى الأمارات التالية: بالنسبة للذكور:

(1) بلوغ خمس عشرة سنة.

(2) الاحتلام وهو: إنزال المني دفقاً بلذة.

(3) إنبات شعر خشن في القبل.

أما بالنسبة للإناث: فإن بلوغهن يتحقق بأحد الأمور الثلاث السابقة، وبأمرين آخرين وهما: الحيض والحمل، ولأجل هذا الشرط فإن الصبي غير مكلف، لفقده شرط البلوغ، ولضعفه عن احتمال الأوامر والنواهي قال الرسول - صلى الله عليه وسلم-: "رفع القلم عن ثلاثة: ... وعن الصبي حتى يكبر" وفي رواية: "حتى يحتلم" وفي رواية: "حتى يبلغ"، رواه أحمد (24172) ، وأبو داود (4398) والنسائي (3432) من حديث عائشة - رضي الله عنها - ورواه الترمذي (1423) وابن ماجة (2042) من حديث علي - رضي الله عنه -، وقال السيوطي: حديث صحيح.

الشرط الثاني: أن يكون عاقلاً والعقل هو: آلة التمييز والإدراك، وهو الذي ميّز الله به بين الإنسان والحيوان، وهو الذي يميز الإنسان به بين النافع والضار، ويقول العلماء العقل مناط التكليف، ولذلك فإن فاقد العقل كالمجنون والمعتوه، ونحوهما غير مكلفين، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتقدم: "وعن المجنون حتى يعقل".

الشرط الثالث: أن يكون فاهماً للخطاب والفهم هو مقدرة الذهن على تصور ومعرفة ما يطلب منه فعلاً أو تركاً، لأن المطلوب من المكلف بأحكام الشرع، إما الإقدام على الفعل أو الإحجام عنه، وإذا كان الإنسان لم يتصور، ولم يعرف ما طلب منه فكيف يمتثل ما أمر به، ولذلك فإن الغافل والساهي والنائم ليسوا بمكلفين؛ لأنهم لا يفهمون ما يخاطبون به، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتقدم: "وعن النائم حتى يستيقظ".

والخلاصة: أن الشخص المكلف هو الشخص الذي وصل إلى الحد الذي ينتقل فيه عن مرحلة الصبا والطفولة، وتوفر فيه العقل الذي يميز بين النافع والضار، والحق والباطل، وكان مقتدراً على إدراك وتصور ما يطلب منه، ومما ينبغي أن أشير إليه أن هناك مسائل كثيرة متعلقة بهذه الشروط وقع فيها خلاف بين أهل العلم، كمسألة تكليف الصبي المميز، وتكليف المكره، والسكران، والمخطئ، والمغمى عليه ... إلخ، والكلام عن هذه المسائل مسطور في كتب أهل العلم، فمن أراده فعليه بكتب أصول الفقه، فقد أشبعت هذه المسائل وما يتعلق بها، بالبحث والدارسة.

والله الموفق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015