فالحسد شره عظيم، وخطره جسيم، إذا هجم فتك، وإذا ضرب قضى، وإذا صوب أصاب في مقتل، ولهذا المرض الخبيث أسباب يحسن بنا معرفتها؛ لتجنبها والوقاية منها.
أسباب الحسد:
للحسد أسباب عدة، ويمكن أن نجملها في النقاط التالية:
1- ضعف الإيمان، وعدم الرضا بما قسمه الله: فالذي حرم القناعة وعدم الرضا، فقلبه يحترق ويتمزق أسفاً كلما رأى أحداً في نعمة، وهو يرى نفسه محروماً منها، ولا يدري المسكين أن الله قدر هذه الأشياء وقسم الأرزاق، ونحن في عالم الغيب، فالرضا بما قسمه الله يريح النفس، ويطمئن القلب؛ لأن كل شيء بقضاء وقدر.
2- الجهل بعواقب الحسد، فالحاسد لا يدرك شناعة وعواقب الحسد الوخيمة، وما يترتب عليه من نتائج عظيمة على الدين، والنفس، والمجتمع، ففي الدين: الحاسد ساخط على أقدار الله، وهو بذلك يصف المولى -جل وعلا- بعدم العدل، تعالى الله عما يصفه الحاسدون علواً كبيراً، حيث إنه يرى أن الله أعطى هذا ومنعه هو، فهو ساخط لذلك، وهذا أمر خطير، أما على النفس، فالحاسد دائم التفكير بما أنعم الله على غيره، يعيش في كآبة وحزن كلما رأى غيره يتقلب في نعمة الله، وهو المحروم، فهو دائم الحزن، تعلو وجهه الكآبة، متعكر المزاج، لا يهنأ بعيش، ولا يهدأ له بال، ولا يستقر له قرار، الحسرة ملازمة له، ولا يجني من وراء ذلك إلا الندامة، وتشتت القلب، وفزع النفس، فأمر الله نافذ لا راد له، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط.
أما على المجتمع، فالحاسد شخص منبوذ من المجتمع، يبغضه الصغير والكبير، والقريب قبل البعيد، ينفر منه الناس، ولا يألفونه، فهو بذلك يشعر بالغربة في وسط أقرب الأقربين له، ويكون لذلك الآثار السيئة عليه، حيث يهبط مستواه الاجتماعي، ويتدنى مستواه في العمل والإنتاج، ويكون بذلك عضواً غير فعَّال في المجتمع الأولى بتره واستئصاله؛ خوفاً من تسرب العدوى منه لغيره.
3- الحقد والعداوة والبغضاء، وهذه الأشياء من أشد أسباب الحسد، وأخطرها، فتجد الإنسان الذي تأصلت فيه هذه الخصال السيئة ونمت، تولد عنده الحسد تلقائياً لكل صاحب نعمة فهو لا يحب أن يرى نعمة على من يبغضه، ويكن له الشحناء والكره، بل قد يدفعه الحسد والحقد، والعداوة على إلحاق الضرر بمن يبغض على تفاوت في درجاته.
4- التعجب: حيث أخبر الله - جل جلاله- في كتابه الكريم عن الأمم السابقة لما قالوا لأنبيائهم ورسلهم: "ما أنتم إلا بشر مثلنا.." [يس:15] ، وقالوا: "أنؤمن لبشرين مثلنا" [المؤمنون: 47] ، فتعجبوا من أن يفوز برتبة الرسالة والوحي، والقرب من الله -تعالى- بشر مثلهم، فحسدوهم على ذلك مما أدى إلى كفرهم -عياذاً بالله من حالهم-.
5- الكبر: ومنه كان حسد الكفار لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ قالوا: "لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم" [الزخرف: 31] ؛ ولذلك علل أبو جهل -لعنه الله- كفره برسول الله - صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (تنازعنا وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه، والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه) .