فقد ثبت في الصحيحين البخاري (5470) ، ومسلم (2144) من حديث أنس - رضي الله عنه- أنه كان لأبي طلحة الأنصاري - رضي الله عنه - ابناً من أم سليم -رضي الله عنها-،ومرض الغلام مرضاً شديداً، وكان أبو طلحة يتعاهده - رضي الله عنه - بالسؤال كلما دخل البيت وخرج، وفي يوم من الأيام مات الصبي وأبو طلحة - رضي الله عنه - خارج البيت، فقالت أم سليم - رضي الله عنها-: لا تخبروا أبا طلحة - رضي الله عنه - حتى أكون أول من يخبر به، وجاء أبو طلحة وسأل عن ابنه كعادته، فقالت أم سليم بعد أن دفنت ابنها: هو أهدأ أو أسكن ما يكون، فظن أبو طلحة - رضي الله عنه - أن الغلام قد عوفي ولم يرد أن يقلقه، وتهيأت أم سليم لزوجها أحسن ما تكون تصنع من قبل، وقربت إليه طعامه، وأصاب منها ما يصيب الرجل من أهله، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب قالت: يا أبا طلحة: أرأيت لو أن قوماً أعار عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، فقالت: إن ابنك كان عارية من الله وقد استرد الله عاريته، فاحتسب ابنك عند الله يا أبا طلحة، فغضب عليها، وقال لها: تركتيني حتى تلطخت ثم تخبريني بأمر ابني؟ وما زالت به -رضي الله عنها- حتى هدأ وذهب عنه الغضب واسترجع، ثم غدا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صلاة الصبح، وأخبره بما كان من شأنه وشأن أم سليم - رضي الله عنهما- فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بارك الله لكما في ليلتكما" فحملت أم سليم -رضي الله عنها- بعد ذلك بولد سموه عبد الله، يقول أحد رواة الحديث: فلقد رأيت من صلب هذا الغلام سبعة أو تسعة كلهم حفظوا القرآن.

هذا الحديث ذكرته بالمعنى لتتضح الصورة، فيا أخي الكريم: احتسب ابنك عند الله، فقد استرد الله عاريته.

(6) عليك بقراءة كتاب برد الأكباد عند فقد الأولاد، وكذلك كتاب لفتة الكبد عند فقد الولد، للإمام ابن الجوزي - رحمه الله تعالى -، وكذلك كتاب عندئذ بكى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو من تأليفي، وقد جمعت فيه معظم المواقف التي أبكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وخصوصاً عند فقد الأحبة كأولاده، وجده وعمه، وأصحابه - رضي الله عنهم -، وكذلك عند تذكر الأحبة كأمه، وغير ذلك مما تجده مبسوطاً في الكتاب، وكذلك عليك بسماع شريط: كشف الكربة عند فقد الأحبة، لفضيلة الشيخ: علي القرني - حفظه الله تعالى-.

وأخيراً أسأل المولى جلت قدرته أن يرزقك الصبر على فقد ابنك، وأن يجعله لك ولأمه وجاءً من النار، وأن يأخذ بأيديكما إلى الجنة، وأن يكون فرطاً لك ولأمه على الحوض، وأن يرزقكما خيراً منه زكاة وأقرب رحما..إن ربي لطيف مجيب الدعاء. هذا والله أعلم. وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015