F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q ما هو الوضع الصحيح لليدين أثناء القيام فى الصلاة؟
صلى الله عليه وسلمn اتفق العلماء على أنه لم يرد ما يوجب على المصلى أن تكون يداه فى وضع معين وهو في قيام الصلاة، فليس ذلك ركنا ولا شرطا من شروط صحة الصلاة. وحجتهم فى ذلك حديث المسىء صلاته، فإن النبى صلى الله عليه وسلم لما علمه كيفية الصلاة لم يتعرض فيها لوضع اليدين. فدل ذلك على عدم وجوبه. ولكن اختلفوا بعد ذلك فى الوضع المختار لليدين أثناء القيام فى الصلاة.
1 -فقيل: يسن وضع إحدى اليدين على الأخرى، وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. روى ذلك عن علي وأبى هريرة، وعن النخعى وسعيد بن جبير، وعن الثورى والشافعى وأصحاب الرأى.
. وحكاه ابن المنذر عن مالك، كما نقله ابن الحكم عنه أيضا.
2 - وقيل: يسن إرسال اليدين. أى تركهما إلى الجانبين، رواه ابن المنذر عن ابن الزبير، وعن الحسن البصرى، كما نقله النووى عن الليث بن سعد، ونقله ابن القاسم عن مالك، وهو ظاهر مذهبه الذى عليه أصحابه، كما نقله المهدى فى البحر عن القاسمية والناصرية والباقر " من الشيعة".
3 - وقيل: يخير المصلى بين وضع يديه وبين إرسالهما دون ترجيح واحد منهما. نقله ابن سيد الناس عن الأوزاعى وجاء فى كلام الشافعى ما يشير إليه.
وأصحاب الرأى الأول الذين قالوا بسنية وضع اليدين إحداهما على الأخرى قالوا: إن ذلك يكون بوضع اليد اليمنى على اليد اليسرى.
وحجتهم فى ذلك ما ياتى:
(أ) عن أبى حازم عن سهل بن سعد قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى فى الصلاة. قال أبو حازم: لا أعلمه إلا ينمى ذلك إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. رواه البخارى.
(ب) عن وائل بن حجر أنه وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال فى وصفه، ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد. رواه مسلم وأحمد. وفى رواية لأحمد وأبى داود: ثم وضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد.
(ج) عن ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم مر به وهو واضع شماله على يمينه. فأخذ يمينه فوضعها على شماله. رواه أبو داود.
(د) عن غطيف قال: ما نسيت من الأشياء فلم أنس أنى رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واضعا يمينه على شماله فى الصلاة: رواه أحمد فى مسنده.
(هـ) عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه. رواه الترمذى وقال:
حديث حسن.
إلى غير ذلك من الأحاديث التى أوصلها بعضهم إلى عشرين حديثا مروية عن ثمانية عشر من الصحابة والتابعين. وحكى الحافط عن ابن عبد البر أنه قال: لم يأت عن النبى صلى لله عليه وسلم فيه خلاف.
وأصحاب هذا القول اختلفوا فى أمرين، الأمر الأول في كيفية وضع اليد اليمنى على اليسرى، والأمر الثانى فى مكان وضعهما على الصدر.
أما الأمر الأول فقد ورد فى حديث وائل بن حجر الذى سبق ذكره، وجاء فيه أن النبى صلى الله عليه وسلم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسر والرسغ والساعد. وصور الفقهاء ذلك، كما فى شرح المنهاج وغيره، فقالوا: بأن يقبض بيمينه كوع يساره وبعض ساعدها والرسغ. روى بعضه مسلم، وبعضه ابن خزيمة، والباقى أبو داود. وقيل يخير بين بسط أصابع اليمنى فى عرض المفصل وبين نشرها صوب الساعد. والمعتمد الأول. ويفرج بين أصابع يسراه وسطا. قال الإمام الشافعى:
والقصد من القبض المذكور تسكين اليدين، فإن أرسلهما ولم يعبث بهما فلا باس، كما نص عليه فى " الأم " والكوع هو العظم الذى يلى إبهام اليد، والرسغ هو المفصل بين الكف والساعد، أما البوع فهو العظم الذى يلى إبهام الرجل.
وأما الأمر الثانى فقد ورد فيه ما يأتى:
(أ) عن وائل بن حجر قال: صليت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره. أخرجه ابن خزيمة فى صحيحه.
(ب) عن أبى جرير الضبى عن أبيه قال: رأيت عليا يمسك شماله بيمينه على الرسغ فوق السرة. وفى إسناده أبو طالوت عبد السلام بن أبى حازم. قال أبو داود: يكتب حديثه.
(ب) أخرج أبو داود عن طاوس قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى. ثم يشد بهما على صدره وهو فى الصلاة. وهذا الحديث مرسل، أى سقط منه الصحابى.
(د) عن على رضى اللَّه عنه: أن من السنة فى الصلاة وضع الأكف على الأكف تحت السرة. رواه أحمد وأبو داود وفى إسناده عبد الرحمن ابن إسحاق الكونى. قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يضعفه. وقال البخارى: فيه نطر. وقال النووى: هو ضعيف بالاتفاق.
وإزاء هذه النصوص اختلف فى مكان وضع اليدين:
1 -فقال كثيرون: يسن أن يكون وضعهما تحت الصدر وفوق السرة. اعتمادا على النصوص الثلاثة الأولى، وهو قول سعيد بن جبير، وعليه أحمد فى رواية عنه ومالك فى روايته التى قال فيها بمشروعية وضع اليدين لا إرسالهما. وعليه الشافعى أيضا. قال فى شرح المنهاج: ويسن جعل يديه تحت صدره وفوق سرته فى قيامه، لما صح من فعله صلى الله عليه وسلم. وحكمة جعلهما تحت صدره أن يكون فوق أشرف الأعضاء وهو القلب، فإنه تحت الصدر مما يلى الجانب الأيسر. والعادة أن من احتفط على شىء جعل يديه عليه.
2 -وقال جماعة: يسن وضعهما تحت السرة، استنادا إلى الأثر الرابع المروى عن على. وقد علمت أنه ضعيف، وعليه أبو حنيفة وسفيان الثورى، وإسحاق بن راهويه وأبو إسحاق المروزى من أصحاب الشافعى. وعليه أحمد فى رواية ثانية عنه.
3-وهناك قول ثالث بالتخيير بينهما بلا ترجيح، وهو قول الأوزاعى وابن المنذر الذى قال فى بعض تصانيفه: لم يمبت عن النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك شىء فهو مخير. وكذلك هو قول أحمد فى رواية ثالثة عنه كما قال ابن قدامة فى " المغنى " لأن الجميع مروى، والأمر فى ذلك واسع. قال الشوكانى فى " نيل الأوطار ": ولا شىء فى الباب أصح من حديث وائل بن حجر أهـ. وهو قول الأكثرين.
أما أصحاب الرأى الثانى وهو إرسال اليدين إلى الجانبين لا وضعهما على الصدر فحجتهم فى ذلك ما يأتى:
(أ) حديث جابر بن سمرة، قال: خرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: "مالى أراكم رافعى أيديكم كأنها أخناب خيل شمس؟ اسكنوا فى الصلاة " رواه مسلم وأبو داود. قالوا: إن وضع اليدين على الصدر رفع لهما، ورفعهما منهى عنه 0 ورد ذلك بان هذا الحديث ورد على سبب خاص، فإن مسلما رواه أيضا عن جابر بلفظ: كنا إذا صلينا مع النبى صلى الله عليه وسلم وقلنا:
السلام عليكم ورحمة اللَّه، السلام عليكم ورحمة اللَّه، وأشار بيديه إلى الجانبين، فقال لهم النبى صلى الله عليه وسلم " علام تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شُمس، إنما يكفى أحدكم أن يضع يديه على فخذه. ثم يسلم على أخيه من على يمينه ومن على شماله ".
كما رد هذا الحديث بأن قياس وضع اليدين على الصدر على رفعهما عند السلام قياس مع الفارق، فإن وضعهما على الصدر ضم وتسكين لهما. أما رفهما عند السلام فحركة واضحة لا تناسب الخشوع.
(ب) قالوا: إن وضع اليدين على الصدر مناف للخشوع المأمور به فى الصلاة، ورد قولهم هذا بأن المنافاة للخشوع ممنوعة. بل أن وضعهما على الصدر هو المساعد على الخشوع قال الحافظ: قال العلماء: الحكمة من هذه الهيئة أنها صفة السائل الذليل، وهو أمنع للعبث وأقرب إلى الخشوع. قال المهدى فى البحر: ولا معنى لقول أصحابنا " الشيعة ": ينافى الخشوع والسكون.
(ج) كما احتجوا أيضا على أن إرسال اليدين سنة بأن النبى صلى الله عليه وسلم علم المسىء صلاته كيف يصلى، ولم يذكر وضع اليمين على الشمال. كذا حكاه ابن سيد الناس عنهم.
قال الشوكانى: وهو عجيب، فإن النزاع فى استحباب الوضع لا وجوبه، وترك ذكره فى حديث المسىء صلاته إنما يكون حجة على القائل بالوجوب. وقد علم أن النبى صلى الله عليه وسلم اقتصر على ذكر الفرائض فى حديث المسىء أنتهى. هذا وعدم ذكر النبى صلى الله عليه وسلم لوضع اليدين فى حديث المسىء صلاته لا ينفى استحبابه الذى دل عليه قوله وفعله كما مر ذكره.
أما أصحاب الرأى الثالث وهو التخيير بين وضع اليدين على الصدر وإرسالهما إلى الجانبين فاحتجوا بأن عدم ذكر شىء عنهما فى حديث المسىء صلاته يدل على عدم تعين كيفية خاصة، ورد ذلك بأن المأثور عن النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله وفعله يعين استحباب وضعهما لا إرسالهما.
وخلاصة الموضوع أن أرجح الأقوال هو استحباب قبض اليد اليمنى على رسغ اليد اليسرى، ووضعهما على أسفل الصدر فوق السرة، ويجوز إرسالهما عند السكون، وذلك هو قول الشافعية، هذا وليس هناك دليل صحيح على أن اليدين يسن وضعهما لأعلى الصدر عند العنق وأن أخذ بعض الناس من قوله تعالى {فصل لربك وانحر} أن المراد: ضع يدك اليمنى على اليسرى تحت النحر، تفسير لا أصل له يعتمد عليه، يقول ابن كثير: ويروى هذا عن على ولا يصح. كما ذكره الشوكانى، لأن المعنى-الصحيح للآية: اجعل يا محمد صلاتك وتقربك بنحر الإبل للَّه لا للأصنام كما يفعل المشركون.
وأنبه إلى أن الأمر واسع كما قال ابن قدامة،. ولا يجوز التعصب لرأى من الآراء، والخلاف والتنازع فى هذه الهيئة البسيطة مع عدم الاهتمام بالخشوع الذى هو روح الصلاة والأساس الأول فى قبولها عند اللَّه، هو ظاهرة مرضية لا صحية. والإسلام قد نهى عن الجدل وبخاصة فى هذه الهيئات البسيطة