F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس: إذا لم تقم الحكومة بتطبيق عقوبة الحدود عل الزنا والسرقة وشرب الخمر جاز للأفراد أن يقوموا بذلك تطبيقا لواجب تغيير المنكر باليد، فما رأى الدين فى ذلك؟
صلى الله عليه وسلمn الحدود عقوبات شديدة قاسية شرعت لحكمة وهى الزجر إلى جانب ما فيها من مغفره، كما شرع تعريض النفس للقتل فى الجهاد فى سبيل الله لضرورته لرد العدوان والأمن على الحقوق، قال تعالى {كُتب عليكم القتال وهوكره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} البقرة: 216، وقال {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} البقرة: 251، ولما كانت الحدود شديدة كان لابد من الاستيثاق من الجريمة التى استوجبتها. فلا تثبت إلا بالإقرار الصريح الاختيارى أو شهادة العدول الذين قد يصلون إلى أربعة كما فى حد الزنى. وإذا وجدت شبهة فى الجريمة فلا يقام الحد، ويمكن اللجوء إلى التعزير. وهو دونه لا يصل إليه ولا يتجاوزه عند جمهور الفقهاء جاء فى الحديث "ادرءوا الحدود بالشبهات " مع الاختلاف فى رفعه ووقفه وضعفه وقوته "نيل الأوطارج 7، 110 " وحدث أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتوثق ممن أقر بالجريمة ليكون الإقرار صريحًا ونصًا فيها.
ولأجل خطورة الحدود، إلى جانب أهميتها فى استقرار الأمن والحث على إقامتها وعدم التهاون فيها. وجب على ولى الأمر أن يتولى تنفيذها، وولى الأمر يصدق على من له ولاية خاصة على الجانى كالوالد مع أولاده، والزوج مع زوجته، والسيد مع عبده، كما يصدق على من له ولاية عامة كالحاكم العام المسئول عن الرعية كلها كما فى الحديث " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع فى أهله ومسئول عن رعيته. . . " رواه البخارى ومسلم.
ومن هنا رأى بعض العلماء أن كل صاحب ولاية له الحق فى إقامة الحد على من هو مسئول عنه، واستندوا فى ذلك إلى بعض وقائع حدثت فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم وفى عهد التشريع ومن هؤلاء الإمام الشافعى الذي رأى أن للسيد أن يقيم الحد على مملوكه بدليل ما رواه مسلم وأحمد وأبو داود وغيرهم عن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال: أمرنى النبى صلى الله عليه وسلم أن أقيم الحد على خادمة له أخطات، فأتيتها فوجدتها لم تجف من دمها، فأتيته فأخبرته فقال " إذا جفت من دمها فأقم عليها الحد، أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " وقد يقال: إن المسئول هنا هو النبى صلى الله عليه وسلم وقد أمر عليًّا أن ينفذ الحد، لكن عموم قوله " أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " يعطى الحق للسيد أن يقيم الحد على مملوكه. وقد يكون هذا دليلا على إقامة السيد الحد على مملوكه فقط، وليس دليلا على إقامة الحدود عامة. والشوكانى فى نيل الأوطار "ج 7 ص 129 " ذكر حوادث فى جواز إقامة السيد الحد على مملوكه. ونقل عن الثورى والأوزاعي أن ذلك خاص بحد الزنا دون غيره، وأن الحنفية منعوا السيد من إقامة أى حد على مملوكه وجعلوه من اختصاص الحاكم كسائر الحدود، وجاء مثل ذلك فى فتح البارى لابن حجر.
والخلاصة إنه إذا وجد خلاف بين الأئمة فى إقامة الحدود بالنسبة للسيد ومملوكه.
فإن العلماء يكادون يتفقون على أن الحدود-فيما عدا ذلك -هى من اختصاص الحاكم. بناء على أقوال لبعض الصحابة وليس على نصوص من القراَن والسنة، كقول ابى عبد الله أحد الصحابة: الزكاة والحدود والفىء والجمعة إلى السلطان. وهو ما ينبغى أن يؤخذ به حتى لا تكون هناك فوضى في تطبيق الحدود التى أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرئها بالشبهات. وفي ميدان التعزير متسع لاختلاف وجهات النظر ومراعاة الظروف.
وننصح من يتورطون في جريمة عقوبتها الحد أو غيره، وبخاصة ما ليس فيها حق للعباد أن يستروا أنفسهم فلا يبيحوا بها، ولا يطلب أحد أن يقام عليه الحد لتغير خطئه فالتوبة النصوح أحسن وسيلة.
وأوقع فى عدم الوصمة للفرد والمجتمع بالانحراف. يقول النبى صلى الله عليه وسلم "من أصاب شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه الحد " رواه مالك فى الموطأ. ويقول فى مبايعته لأصحابه على عدم الشرك والزنا والسرقة والقتل " ومن أصاب شيئا، ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذَّبه " رواه البخارى ومسلم.
كما ينبغى لمن لم يتورطوا فى الجرائم أن يستروا على من أخطئوا بعد قيامهم بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، فقد قال الرسول لرجل من أسلم اسمه هزَّال جاء يشكو رجلا بالزن " لو سترته بردائك كان خيرا لك " رواه أبو داود والنسائى، وقال "من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه كشف الله عورته حتى يفضحه فى بيته " رواه ابن ماجه، ومن الستر ألا يبادر بالشهادة عليه عند الاتهام، ما لم يُدع إليها فتجب. ومحل الستر إذا لم يكن المخطىء مستهترًا متعودًا وإلا كان مساعدة على المنكر وهو ممنوع