F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q يقول بعض الناس إن الرسل السابقين لم يبعثوا إلا إلى الإنس فقط، وأما سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فمن خصائصه أنه أرسل إلى الإنس والجن فهل هذا صحيح؟
صلى الله عليه وسلمn سبق أن ذكرنا أن الجن مكلَّفون كالإِنس، ولا بد للتكليف من رسالة رسول، ومن المؤكد أن النبى صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الجن كما أرسل إلى الإِنس، قال تعالى {قل أوحى إلىَّ أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدًا} الجن: 1 وقال {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين. قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم. يا قومنا أجيبوا داعى الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم} الأحقاف: 29 - 31 فهل قولهم {إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى ... } يدل على أن موسى كان مرسلا إلى الجن، أو لم يكن مرسلا إليهم ولكنهم عرفوا أن كتابا نزل عليه، وهل معرفتهم بموسى تدل على إيمانهم به أو عدم إيمانهم؟ .
بعض العلماء يقول: كان الجن الذين لقوا النبى صلى الله عليه وسلم يهودا يعنى آمنوا بموسى. ومنهم عطاء الذى قال: كانوا يهودا فأسلموا وارتضى القرطبى فى تفسيره هذا الرأى "ج 16 ص 217" ويقول ابن عباس: إن الجن لم تكن سمعت بأمر عيسى عليه السلام، وقوله تعالى {مصدقا لما بين يديه} يراد به التوراة لا الإنجيل، فهل هؤلاء الجن كانوا مقيمين بالمنطقة التى أرسل فيها موسى فقط، ولم يدخلوا المنطقة التى أرسل فيها عيسى؟ وهل كان إيمانهم بموسى تكليفا ألزموا به أو كان اختيارا منهم دون تكليف؟ وكل ذلك مع التسليم بأن كل الجن مكلَّفون بعبادة الله ومحاسبون يوم القيامة، ومن الجائز أن يرسل إليهم رسل غير المذكورين فى القرآن وهم خمسة وعشرون، فالله يقول {ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك} النساء: 164.
ولعدم التأكد من رسالة موسى وعيسى وغيرهما إلى الجن قال بعض العلماء، ومنهم مقاتل بن سليمان من رجال التفسير: لم يبعث الله نبيا إلى الجن والإنس قبل محمد صلى الله عليه وسلم " تفسير القرطبى ج 16 ص 217".
وارتضى القرطبى هذا القول واستدل عليه بما رواه مسلم فى صحيحه عن جابر بن عبد الله الأنصارى أن للنبى صلى الله عليه وسلم قال " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى، كان كل نبى يبعث إلى قومه خاصة وبُعثت بلى كل أحمر وأسود، وأحلَّت لى الغنائم ولم تحل لأحد قبلى، وجُعلت لى الأرض طيبة طهورا ومسجدا، فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان، ونُصرت بالرعب بين يدى مسيرة شهر، وأُعطيت الشفاعة" قال مجاهد: الأحمر والأسود هما الجن والإِنس، وفى رواية من حديث أبى هريرة " وبعثت إلى الخلق كافة وختم بى النبيون ".
ويفرع القرطبى على ذلك مسألة يقول فيها: إن الجن كالإِنس فى الأمر والنهى والثواب والعقاب. وقال الحسن: ليس لمؤمنى الجن ثواب غير نجاتهم من النار، يدل عليه قوله تعالى {يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم} وبه قال أبو حنيفة قال: ليس ثواب الجن إلا أن يجاروا من النار، ثم يقال لهم: كونوا ترابا مثل البهائم، وقال آخرون: إنهم كما يعاقبون فى الإِساءة يجازون فى الإِحسان مثل الإِنس، وإليه ذهب مالك والشافعى وابن أبى ليلى، وقد قال الضحاك ابن مزاحم: الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون. قال القشيرى: والصحيح أن هذا مما لم يقطع فيه بشىء والعلم عند الله.
انتهى ما قاله القرطبى.
وجاء فى شرح الزرقانى على المواهب اللدنية للقسطلانى "ج 5ص 69 " أن من أدلة مالك على الثواب والعقاب قوله تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} ثم قال {فبأى آلاء ربكما تكذبان} الرحمن:
46، 47 والخطاب للإِنس والجن، فإذا ثبت أن فيهم مؤمنين ومن شأن المؤمن أن يخاف مقام ربه ثبت المطلوب. وجاء فى الرد على أبى حنيفة فى أنهم لا يثابون بأن الثواب مسكوت عنه -أى فى الآية التى استدل بها - وأن ذلك من قول الجن فيجوز أنهم لم يطلعوا على ذلك وخفى عليهم ما أعده الله لهم من الثواب وبعد، فإن الكلام فى ثواب الجن المؤمن من أمور الغيب وقول القشيرى فيه صحيح، وليس ذلك مما يهمنا عمليا فى الدنيا، وما ذكرته إلا للسؤال عنه من جملة الأسئلة الكثيرة التى توجه إلىَّ.
ومن أراد الاستزادة فعليه بكتاب "آكام المرجان" للشبلى ص 34-62