F عطية صقر.
مايو 1997
Mالقرآن والسنة
Q قرأنا فى الكتب أن محاجة حدثت بين آدم وموسى وأن آدم غلبه لأنه اعترض على قضاء الله فكيف يصح ذلك؟
صلى الله عليه وسلمn روى البخارى ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "احتج آدم وموسى فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده، أتلومنى على أمر قدر الله على قبل أن يخلقنى بأربعين سنة؟ فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى" وجاء هذا الحديث بروايات أخرى.
المراد بقوله: خط لك بيده، ألواح التوراة، والأربعون سنة هى ما بين قوله تعالى: {أنى جاعل فى الأرض خليفة} إلى نفخ الروح فيه، أو هى مدة لبثه طينا إلى أن نفخت فيه الروح. وقد تحدث شراح الحديث وكثرت أقوالهم لتوضيح الصلة بين قدر الله ومسئولية العبد وخلاصة أقوالهم ما يأتى:
أنكر القدرية هذا الحديث لأنه يثبت القدر وهم لا يقولون به، إذ لو صح لاحتج كل مخالف بالقدر السابق، ولو ساغ ذلك لانسدَّ باب القصاص والحدود ولاحتج به كل أحد على ما يرتكب من الفواحش، والمثبتون للحديث ردوا عليهم، ووضحوا كيف كانت الغلبة لآدم على موسى بقولهم:
(ا) إن موسى كان له مثل حال آدم حيث قتل نفسا لم يؤمر بقتلها وتاب الله عليه كما تاب على آدم، قال تعالى {وعصى آدم ربه فغوى.
ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى} وقال فى شأن موسى: {قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له} وليس من اللائق أن يلوم أحد غيره على حال وقع مثلها له.
(ب) إن اللوم على المخالفة يكون مشروعا إذا كان قبل التوبة، أما بعدها فلا فائدة تذكر منه.
(ي) إن لوم موسى لآدم كان بعد موته وانتقاله من دار التكليف إلى دار الجزاء، حيث كان لقاؤهما على أرجح الأقوال فى البرزخ بعد موت موسى، فالتقت أرواحهما فى السماء كما جزم بذلك ابن عبد البر والقابسى، وإذا كان الله قد لام آدم فى الدنيا بقوله: {ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين} وهو أكرم من أن يثنى العقوبة على عبده كما ورد، فلا يسوغ لموسى أن يؤنب آدم، والله سبحانه بكرمه لا يؤنبه بعد موته، وقد ورد أيضا النهى عن التثريب على الأَمة التى زنت وأقيم عليها الحد.
هذا، ولا يجوز أن يكون هذا الحديث متكأ لمن يقترف معصية، فإذا وجه إليه اللوم يقول: هذا قدر الله، كما قال آدم، وذلك لأن من كان باقيا فى الدنيا دار التكليف تجرى عليه الأحكام من لوم وعقوبة ونحوهما.
قال النووى: فى ضمن كلامه على هذا الحديث (شرح صحيح مسلم ج 16 ص 202) : ولأن اللوم على الذنب شرعى لا عقلى، وإذا تاب الله تعالى على آدم وغفر له زال عنه اللوم، فمن لامه كان محجوجا بالشرع، فإن قيل: فالعاصى منا لو قال: هذه المعصية قدرها الله عليَّ لم يسقط عنه اللوم والعقوبة بذلك وإن كان صادقا فيما قاله، فالجواب أن هذا العاصى باق فى دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين من العقوبة واللوم والتوبيخ وغيرها، وفى لومه وعقوبته زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل، وهو محتاج إلى الزجر ما لم يمت، فأما آدم فميت خارج عن دار التكليف وعن الحاجة إلى الزجر، فلم يكن فى القول المذكور له فائدة، بل فيه إيذاء وتخجيل. والله أعلم