من لم تبلغه الدعوة

F عطية صقر.

مايو 1997

Mالقرآن والسنة

Q 1- ما حكم الذى ينشأ فى مجتمع كافر ولم تبلغه الدعوة الإسلامية، ولم يسمع عن شىء اسمه الإسلام،أو بلغه الإسلام ولكن بصورة مشوهة ثم مات ولم يسلم؟ .

2- ما حكم الذى يعيش فى مجتمع مسلم، ولكنه لا يعمل بالإسلام، أو يعمل بخلاف ما يريده الإسلام من الاعتقادات، وذلك عن جهل ولم يجد من يعرفه الإسلام الصحيح، وما حكم إرثه؟

صلى الله عليه وسلمn لقد تحدث العلماء عمن لم تبلغهم الدعوة وعن الذين لم يدركوا نبيا سابقا أو لاحقا وهم أهل الفترة، وأطنب فى بيان حكمهم كثيرون من العلماء كإمام الحرمين فى البرهان والغزالى فى المستصفى والمنخول والرازى فى المحصول والباقلانى فى التقريب وغيرهم.

وتناول حكمهم رجال الفقه والأصول والكلام، بناء على القاعدة الأساسية فى الحسن والقبح هل هما عقليان أم شرعيان، كما تحدثوا عن المؤاخذة وعدمها هل هى فى الدنيا فقط أم الدنيا والآخرة إلى آخر ما تحدثوا فيه. ومما استشهدوا به قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} الإسراء:15، أى أن الله لا يهلك أمة بعذاب إلا بعد الرسالة إليهم، كما قال الجمهور، وقالت فرقة: هذا عامٌّ فى الدنيا والآخرة لقوله تعالى: {كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير. قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا} الملك: 8، 9.

وورد فى أهل الفترة أحاديث فى أنهم موقوفون إلى أن يمتحنوا يوم القيامة، والصحيح من هذه الأحاديث ثلاثة.

إن الذى لم تبلغه الدعوة فى عصرنا هذا أمثال سكان الكهوف والأدغال والجزر النائية الذين لا يعرفون وسائل الاتصال بالعالم من حولهم، وهم قلة فى هذا الزمان الذى كثرت فيه وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية وغيرها، وكثرت الرحلات وتنافس الاستعمار فى استغلال مناطق الأرض.

ومن سمع بأن هناك رسولا جاء بدين اسمه الإسلام وجب عليه أن يبحث عنه إن استطاع، فإن لم يسمع أو سمع ولم يستطع البحث كان معذورا، كما قال العلماء.

وقد اشترط العلماء فى لزوم الدعوة لمن بلغتهم أن تبلغهم صحيحة غير مشوهة، فإذا وصلت مشوهة كانوا معذورين فى عدم الإيمان بها، وقد نص على ذلك الإمام الغزالى فى كتابه "فيصل التفرقة" فبعد أن ذكر أن أكثر النصارى من الروم والترك فى زمانه ناجون لعدم بلوغ الدعوة إليهم، قال: بل أقول: حتى الذين بلغتهم دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم مشوهة فعلمهم أهلوهم منذ الصبا أن كذابا مدلسا اسمه محمد ادعى النبوة كذبا فهؤلاء عندى كالصنف الأول، أى ناجون، وأما سائر الأمم الذين كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم بعد علمهم بالتواتر ظهوره وصفاته ومعجزاته الخارقة، وعلى رأسها القرآن، وأعرضوا عنه ولم ينظروا فيما جاء فيه فهم كفار. اهـ ملخصا.

وعلى هذا نقول: إن من لم تبلغه الدعوة أصلا، أو بلغته مشوهة أو بلغته صحيحة ولم يقصر فى البحث والتحرى فهو معذور، أى يرجى له عدم الخلود فى النار.

أما المسلم الذى يعيش بين المسلمين ولا يعمل بالإسلام لجهله فله حالتان:

الأولى: جهله بالعقيدة كوحدانية الله والبعث، أو جهله بما يعلم من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة والصوم وحرمة القتل والخمر، وهذا لا يعذر فى جهله، فلو ترك شيئا مما وجب عليه أو ارتكب محرما إن كان منكرا جاحدا فهو كافر، وإن كان غير منكر ولكنه متكاسل مثلا فهو غير كافر، بل مؤمن عاص.

ومن حكم بكفره انقطع التوارث بينه وبين غيره من المسلمين إذا مات على ذلك، أما العاصى فإن تاب ترجى له المغفرة، وإن مات ولم يتب فأمره مفوض إلى ربه {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء: 48.

أما من قصر فى غير ما علم من الدين بالضرورة لجهله به، وذلك كالمسائل الفرعية فى الفقه وبخاصة الدقيقة منها فهو معذور، وعليه أن يسعى ليتعلم.

والحاصل أن الجهل نوعان: جهل لا يعذر به المسلم الذى نشأ فى مجتمع مسلم، وجهل يعذر به، الأول كالجهل بالأركان الأساسية للدين، والثانى كالجهل بالفروع التى تكون محلا لاختلاف الآراء، ومنكر الأمور الأساسية كافر، والمقصر فيها دون إنكار مؤمن عاص، ومنكر الأمور الثانية أو المقصر فيها معذور. والله أعلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015