وَهَلْ دَوَاعِي ذَلِكَ الْمُشْتَهَى ... إلَّا عِنَاقُ الْبَدْرِ فِي خِدْرِهِ

وَبَذْلُهُ ذَاكَ لِمُشْتَاقِهِ ... يُزْرِي عَلَى هَارُوتَ فِي سِحْرِهِ

وَلَا يُجِيزُ الشَّرْعُ أَسْبَابَ مَا ... يُوَرِّطُ الْمُسْلِمَ فِي حَظْرِهِ

فَانْجُ وَدَعْ عَنْك صُدَاعَ الْهَوَى ... عَسَاك أَنْ تَسْلَمَ مِنْ شَرِّهِ

هَذَا جَوَابُ الْكَلْوَذَانِيِّ قَدْ ... جَاءَ يَرْجُو اللَّهَ فِي أَجْرِهِ

قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ بَعْدَ إيرَادِهِ لِمَا ذَكَرْنَا: فَهَذَا جَوَابُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِمَا ذَكَرْنَا، يَعْنِي مِنْ عَدَمِ إبَاحَةِ النَّظَرِ لِلْمَحْبُوبِ، حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ النَّظَرَ رُبَّمَا يُذْهِبُ مَا الْتَاعَ بِهِ فُؤَادُهُ الْمَحْجُوبُ.

فَإِنَّ احْتِمَالَ مَفْسَدَةِ أَلَمِ الْحُبِّ مَعَ غَضِّ الْبَصَرِ وَعَدَمِ تَقْبِيلِهِ وَضَمِّهِ أَقَلُّ مِنْ مَفْسَدَةِ النَّظَرِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْمَفْسَدَةَ أَعْنِي مَفْسَدَةَ النَّظَرِ وَنَحْوِهِ تَجُرُّ إلَى هَلَاكِ الْقَلْبِ وَفَسَادِ الدِّينِ، وَغَايَةُ مَا يُقَدَّرُ مِنْ مَفْسَدَةِ الْإِمْسَاكِ عَنْ ذَلِكَ سَقَمُ الْجَسَدِ أَوْ الْمَوْتُ تَفَادِيًا عَنْ التَّعَرُّضِ لِلْحَرَامِ.

فَأَيْنَ إحْدَى الْمَفْسَدَتَيْنِ مِنْ الْأُخْرَى؟ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ وَنَحْوَهُ لَا يَمْنَعُ السَّقَمَ وَالْمَوْتَ الْحَاصِلَ بِسَبَبِ الْحُبِّ بَلْ يَزِيدُ الْحُبُّ بِذَلِكَ كَمَا قَالَ الْمُتَنَبِّي:

فَمَا صَبَابَةُ مُشْتَاقٍ عَلَى أَمَلٍ ... مِنْ الْوِصَالِ كَمُشْتَاقٍ بِلَا أَمَلِ

وَفِي الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ لِلْإِمَامِ ابْنِ الْقَيِّمِ أَنَّ أَبَا الْخَطَّابِ سُئِلَ أَيْضًا بِمَا لَفْظُهُ:

قُلْ لِلْإِمَامِ أَبِي الْخَطَّابِ مَسْأَلَةً ... جَاءَتْ إلَيْك وَمَا خَلْقٌ سِوَاك لَهَا

مَاذَا عَلَى رَجُلٍ رَامَ الصَّلَاةَ فَمُذْ ... لَاحَتْ لِنَاظِرِهِ ذَاتُ الْجَمَالِ لَهَا

فَأَجَابَهُ تَحْتَ سُؤَالِهِ:

قُلْ لِلْأَدِيبِ الَّذِي وَافَى بِمَسْأَلَةٍ ... سَرَّتْ فُؤَادِي لَمَّا أَنْ أَصَخْت لَهَا

إنَّ الَّذِي فَتَنَتْهُ عَنْ عِبَادَتِهِ ... خَرِيدَةٌ ذَاتُ حُسْنٍ فَانْثَنَى وَلَهَا

إنْ تَابَ ثُمَّ قَضَى عَنْهُ عِبَادَتَهُ ... فَرَحْمَةُ اللَّهِ تَغْشَى مَنْ عَصَى وَلَهَا

وَمِنْهَا أَنَّ مُحَمَّدًا أَبَا بَكْرِ بْنَ دَاوُد الظَّاهِرِيَّ الْعَالِمَ الْمَشْهُورَ فِي فَنِّ الْعُلُومِ مِنْ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْأَدَبِ وَلَهُ قَوْلٌ فِي الْفِقْهِ.

قَالَ فِي الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ: هُوَ مِنْ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ الْتَقَى هُوَ وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ فِي مَجْلِسِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى الْوَزِيرِ، فَتَنَاظَرَا فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ الْإِيلَاءِ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015