الْعَاشِرُ) : يَتَبَيَّنُ بِضَرْبِ مَثَلٍ مُطَابِقٍ لِلْحَالِ، وَهُوَ أَنَّك إذَا رَكِبْت فَرَسًا جَدِيدًا فَمَالَتْ بِك إلَى طَرِيقٍ ضَيِّقٍ لَا يُنْفِذُ وَلَا يُمَكِّنُهَا تَسْتَدِيرُ فِيهِ لِلْخُرُوجِ، فَإِذَا هَمَّتْ بِالدُّخُولِ فِيهِ فَاكْبَحْهَا لِئَلَّا تَدْخُلَ، فَإِنْ دَخَلَتْ خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ فَصِحْ بِهَا وَرُدَّهَا إلَى وَرَاءٍ عَاجِلًا قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ دُخُولُهَا، فَإِنْ رَدَدْتهَا إلَى وَرَائِهَا سَهُلَ الْأَمْرُ وَإِنْ تَوَانَيْت حَتَّى وَلَجَتْهُ وَسُقْتهَا دَاخِلًا ثُمَّ قُمْت تَجْذِبُهَا بِذَنَبِهَا عَسُرَ عَلَيْك أَوْ تَعَذَّرَ خُرُوجُهَا، فَهَلْ يَقُولُ عَاقِلٌ إنَّ طَرِيقَ تَخْلِيصِهَا سَوْقُهَا إلَى دَاخِلٍ. وَكَذَلِكَ النَّظْرَةُ إذَا أَثَّرَتْ فِي الْقَلْبِ فَإِنْ عَجَّلَ الْحَازِمُ وَحَسَمَ الْمَادَّةَ مِنْ أَوَّلِهَا سَهُلَ عِلَاجُهُ، وَإِنْ كَرَّرَ النَّظَرَ وَتَأَمَّلَ مَحَاسِنَ الصُّورَةِ وَنَقَلَهَا إلَى قَلْبٍ فَارِغٍ فَنَقَشَهَا فِيهِ تَمَكَّنَتْ الْمَحَبَّةُ.

وَكُلَّمَا تَوَاصَلَتْ النَّظَرَاتُ كَانَتْ كَالْمَاءِ يَسْقِي الشَّجَرَةَ، فَلَا تَزَالُ شَجَرَةُ الْحُبِّ تُنَمَّى حَتَّى يَفْسُدَ الْقَلْبُ وَيُعْرِضَ عَنْ الْفِكْرِ فِيمَا أُمِرَ بِهِ، فَيَخْرُجَ بِصَاحِبِهِ إلَى الْمِحَنِ وَيُوجِبَ ارْتِكَابَ الْمَحْظُورَاتِ وَالْفِتَنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِنْهَا أَنَّهُ رُفِعَتْ لِلْإِمَامِ أَبِي الْخَطَّابِ بْنِ أَحْمَدَ الْكَلْوَذَانِيِّ مِنْ أَكَابِرِ أَئِمَّتِنَا رُقْعَةٌ فِيهَا:

قُلْ لِأَبِي الْخَطَّابِ نَجْمِ الْهُدَى ... وَقُدْوَةِ الْعَالَمِ فِي عَصْرِهِ

لَا زِلْت فِي فَتْوَاك مُسْتَأْمَنًا ... مِنْ خُدَعِ الشَّيْطَانِ أَوْ مَكْرِهِ

مَاذَا تَرَى فِي رَشَإٍ أَغْيَدَ ... حَازَ اللَّمَا وَالدُّرَّ فِي ثَغْرِهِ

لَمْ يَحْكِ بَدْرَ التِّمِّ فِي حُسْنِهِ ... حَتَّى حَكَى الزُّنْبُورَ فِي خَصْرِهِ

فَهَلْ يُجِيزُ الشَّرْعُ تَقْبِيلَهُ ... لِمُسْتَهَامٍ خَافَ مِنْ وِزْرِهِ

أَمْ هَلْ عَلَى الْمُشْتَاقِ فِي ضَمِّهِ ... مِنْ غَيْرِ إدْنَاءٍ إلَى صَدْرِهِ

إثْمٌ إذَا مَا لَمْ يَكُنْ مُضْمِرًا ... غَيْرَ الَّذِي قُدِّمَ مِنْ ذِكْرِهِ

فَأَجَابَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ:

يَا أَيُّهَا الشَّيْخُ الْأَدِيبُ الَّذِي ... قَدْ فَاقَ أَهْلَ الْعَصْرِ فِي شِعْرِهِ

تَسْأَلُ عَنْ تَقْبِيلِ بَدْرِ الدُّجَى ... وَعَطْفِ زَنْدَيْك عَلَى نَحْرِهِ

هَلْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَحْلِيلِهِ ... لِمُسْتَهَامٍ خَافَ مِنْ وِزْرِهِ

مَنْ قَارَفَ الْفِتْنَةَ ثُمَّ ادَّعَى الْ ... عِصْمَةَ قَدْ نَافَقَ فِي أَمْرِهِ

هَلْ فِتْنَةُ الْمَرْءِ سِوَى الضَّمِّ وَالَتَّ ... قُبَيْل لِلْحِبِّ عَلَى ثَغْرِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015