عُهْدَتُهُ وَهَفْوُهُ. فَلَا يَعْدَمْ عَنْك أَحَدَ أَمْرَيْنِ: إمَّا إمْسَاكًا بِمَعْرُوفٍ، أَوْ تَسْرِيحًا بِإِحْسَانٍ. فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَالْبُنْيَانِ، وَالْكَرِيمُ فِي نَظَرِهِ مُنْصِفٌ، وَاللَّئِيمُ مُتَبَجِّحٌ وَمُتَعَسِّفٌ.
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَأْبَى الْعِصْمَةَ لِغَيْرِ كِتَابِهِ. وَالسَّعِيدُ مَنْ عُدَّتْ هَفَوَاتُهُ فِي جَنْبِ صَوَابِهِ، وَالْمُنْصِفُ الْكَرِيمُ يُعَادِلُ بِالسَّيِّئَاتِ الْحَسَنَاتِ، وَيَقْضِي عَلَى كُلٍّ بِحَسْبِهِ مِنْ الْأَحْوَالِ وَالْمَقَامَاتِ. وَقَدْ نَبَّهَ الْمُصْطَفَى عَلَى أَنَّ كُفْرَانَ الْإِحْسَانِ لُؤْمٌ، وَأَخْبَرَ أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ النِّسَاءُ لِكُفْرِهِنَّ النِّعَمَ. فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَحْفَظُ السَّيِّئَاتِ، وَتَنْسَى الْحَسَنَاتِ. وَلِهَذَا مَثَّلَ حَالَهُنَّ بِحَامِلٍ خَرَجَ عَلَى كَتِفِهِ أَحَدُ شُقَّتَيْهِ صَحِيحَةٌ جَعَلَهَا أَمَامَهُ، وَالْأُخْرَى مُخَرَّقَةٌ جَعَلَهَا خَلْفَهُ. فَإِذَا عَمِلَ الزَّوْجُ مَعَهَا حَسَنَةً جَعَلَتْهَا فِي الشُّقَّةِ الَّتِي إلَى خَلْفٍ، وَهِيَ مَخْرُوقَةٌ فَتَسْقُطُ مِنْهَا فَلَا تَرَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَةً جَعَلَتْهَا بِاَلَّتِي أَمَامَهَا وَهِيَ مَحْرُوزَةٌ مَضْبُوطَةٌ، كُلَّمَا نَظَرَتْ رَأَتْهَا. وَهَذِهِ حَالُ جَمِيعِ اللُّؤَمَاءِ، يَحْفَظُونَ السَّيِّئَاتِ، وَلَا يَذْكُرُونَ الْحَسَنَاتِ.
فَنَبْتَهِلُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَصُونَ كِتَابَنَا هَذَا عَمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَهَذَا النَّعْتُ نَعْتُهُ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسَبَبًا لِلْفَوْزِ بِدَارِ الْخُلْدِ وَالنَّعِيمِ، وَأَنْ يَنْفَعَ بِهِ مَنْ قَرَأَهُ أَوْ كَتَبَهُ وَنَظَرَ فِيهِ، وَدَعَا إلَيَّ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَفِيهِ: إنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ، رَءُوفٌ رَحِيمٌ.
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
(وَكَانَ الْخَلَاصُ) مِنْ تَسْوِيدِهِ ضُحَى نَهَارِ السَّبْتِ لِسِتٍّ بَقِيَتْ مِنْ رَبِيعٍ الثَّانِي سَنَةَ 1154 هِجْرِيَّةً عَلَى يَدِ مُؤَلِّفِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مُتَقَلَّبَهُ وَمَثْوَاهُ، إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَبِالْإِجَابَةِ جَدِيرٌ آمِينَ.