الذَّخَائِرِ لِلنَّفْسِ، فَإِنَّهَا تَدَّخِرُ لِبَقَائِهَا وَقُوَّتِهَا الدَّمَ ثُمَّ الْمَنِيَّ ثُمَّ تَدَّخِرُ التُّفْلَ الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْمِدَةِ الْبَدَنِ كَأَنَّهُ لِخَوْفِ عَدَمِ غَيْرِهِ.
فَإِذَا ازْدَادَ اجْتِمَاعُ الْمَنِيِّ أَقْلَقَ عَلَى نَحْوِ إقْلَاقِ الْبَوْلِ لِلْحَاقِنِ، إلَّا أَنَّ إقْلَاقَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَكْثَرُ مِنْ إقْلَاقِ الْبَوْلِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ فَتُوجِبُ كَثْرَةُ اجْتِمَاعِهِ وَطُولُ احْتِبَاسِهِ أَمْرَاضًا صَعْبَةً، لِأَنَّهُ يَرْتَقِي مِنْ بُخَارِهِ إلَى الدِّمَاغِ فَيُؤْذِي وَرُبَّمَا أَحْدَثَ سُمِّيَّةً، وَمَتَى كَانَ الْمِزَاجُ سَلِيمًا فَالطَّبْعُ يَطْلُبُ بُرُوزَ الْمَنِيِّ إذَا اجْتَمَعَ كَمَا يَطْلُبُ بُرُوزَ الْبَوْلِ. وَقَدْ يَنْحَرِفُ بَعْضُ الْأَمْزِجَةِ الصَّحِيحَةِ، فَإِذَا وَقَعَ الِاحْتِبَاسُ أَوْجَبَ أَمْرَاضًا، وَجَدَّدَ أَفْكَارًا، وَجَلَبَ الْعِشْقَ وَالْوَسْوَسَةَ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآفَاتِ.
قَالَ: وَقَدْ نَجِدُ صَحِيحَ الْمِزَاجِ يُخْرِجُ ذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَ وَهُوَ بَعْدُ مُتَقَلْقِلٌ، فَكَأَنَّهُ الْآكِلُ الَّذِي لَا يَشْبَعُ قَالَ: فَبَحَثْت عَنْ ذَلِكَ فَرَأَيْتُهُ وُقُوعَ الْخَلَلِ فِي الْمَنْكُوحِ، إمَّا لِدَمَامَتِهِ وَقُبْحِ مَنْظَرِهِ، أَوْ لِآفَةٍ فِيهِ؛ أَوْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ لِلنَّفْسِ، فَحِينَئِذٍ يَخْرُجُ مِنْهُ وَيَبْقَى بَعْضُهُ، فَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ مَا يَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ فَقِسْ مِقْدَارَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ فِي الْمَحَلِّ الْمُشْتَهَى وَفِي الْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ دُونَهُ كَالْوَطْءِ بَيْنَ الْفَخْذَيْنِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْوَطْءِ فِي مَحَلِّ النِّكَاحِ، وَكَوَطْءِ الْبِكْرِ بِالْإِضَافَةِ إلَى وَطْءِ الثَّيِّبِ.
فَعُلِمَ حِينَئِذٍ أَنَّ تَخَيُّرَ الْمَنْكُوحِ يَسْتَقْصِي فُضُولَ الْمَنِيِّ، فَيَحْصُلُ لِلنَّفْسِ كَمَالُ اللَّذَّةِ لِمَوْضِعِ كَمَالِ بُرُوزِ الْفُضُولِ. ثُمَّ قَدْ يُؤَثِّرُ هَذَا فِي الْوَلَدِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ شَابِّينَ فَرَّجَا أَنْفُسَهُمَا عَنْ النِّكَاحِ مُدَّةً مَدِيدَةً كَانَ الْوَلَدُ أَقْوَى مِنْهُ مِنْ غَيْرِهِمَا أَوْ مِنْ الْمُدْمِنِ عَلَى النِّكَاحِ فِي الْأَغْلَبِ، وَلِهَذَا كُرِهَ نِكَاحُ الْأَقَارِبِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَقْبِضُ النَّفْسَ عَنْ انْبِسَاطِهَا فَيَتَخَيَّلُ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ يَنْكِحُ بَعْضَهُ، وَمُدِحَ نِكَاحُ الْغَرَائِبِ لِهَذَا الْمَعْنَى.
إلَى أَنْ قَالَ: فَمَنْ أَرَادَ نَجَابَةَ الْوَلَدِ وَقَضَاءَ الْوَطَرِ فَلْيَتَخَيَّرْ الْمَنْكُوحَ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمَخْطُوبَةِ، فَإِذَا وَقَعَتْ فِي نَفْسِهِ فَلْيَتَزَوَّجْهَا، وَلْيَنْظُرْ فِي كَيْفِيَّةِ وُقُوعِهَا فِي نَفْسِهِ فَإِنَّ عَلَامَتَهَا تَعَلُّقٌ بِالْقَلْبِ بِحَيْثُ لَا يَكَادُ يَصْرِفُ الطَّرْفَ عَنْهَا، فَإِذَا انْصَرَفَ الطَّرْفُ قَلِقَ الْقَلْبُ وَتَقَاضَى النَّظْرَةَ. فَهَذَا الْغَايَةُ وَدُونَهُ مَرَاتِبُ عَلَى مَقَادِيرِهَا يَكُونُ بُلُوغُ الْأَغْرَاضِ.
قَالَ: وَمَنْ قَدَرَ عَلَى مُنَاطَقَةِ الْمَرْأَةِ أَوْ مُكَالَمَتِهَا بِمَا يُوجِبُ التَّنْبِيهَ ثُمَّ لِيَرَى ذَلِكَ مِنْهَا، فَإِنَّ الْحُسْنَ فِي الْفَمِ وَالْعَيْنَيْنِ فَلْيَفْعَلْ. قَالَ: وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى جَوَازِ أَنْ يُبْصِرَ