فَإِنْ فَعَلْت ذَلِكَ (تَهْدِ) مَنْ اقْتَدَى بِك (وَتَهْتَدِ) أَنْتَ فِي نَفْسِك إلَى السَّبِيلِ الَّتِي أَرْشَدَ إلَيْهَا الطَّبِيبُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمُ وَأَحْكُمُ وَأَرْحَمُ. فَمَا أَرْشَدَ إلَيْهِ أَقْوَمُ وَأَسْلَمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ أَخَذَ النَّاظِمُ يُبَيِّنُ لَك مَنْ تَتَزَوَّجُ مِنْ النِّسَاءِ فَقَالَ:
مَطْلَبٌ: النِّسَاءُ لُعَبٌ يَنْبَغِي تَحْسِينُهَا وَفِيهِ كَلَامٌ نَفِيسٌ:
وَكُنْ عَالِمًا إنَّ النَّسَا لُعَبٌ لَنَا ... فَحَسِّنْ إذَنْ مَهْمَا اسْتَطَعْت وَجَوِّدْ
(وَكُنْ) أَيُّهَا الطَّالِبُ لِلنِّكَاحِ، الْمُسْتَرْشِدِ إلَى مَا فِيهِ الصَّلَاحُ وَالنَّجَاحُ (عَالِمًا) عِلْمَ فَهْمٍ وَتَحْقِيقٍ، وَامْتِثَالٍ وَتَدْقِيقٍ. (إنَّ النِّسَاءَ) جَمْعٌ لِلْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهَا. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: النِّسْوَةُ بِالْكِسْرَةِ وَالضَّمِّ وَالنِّسَاءُ وَالنِّسْوَانِ وَالنِّسُونُ بِكَسْرِهِنَّ جُمُوعُ الْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهَا (لُعَبٌ) جَمْعُ لُعْبَةٍ بِالضَّمِّ التِّمْثَالُ وَمَا يُلْعَبُ بِهِ (لَنَا) يَعْنِي نُلَهَّى بِهِنَّ وَنَسْكُنُ إلَيْهِنَّ وَتَنْبَسِطُ نُفُوسُنَا عِنْدَ رُؤْيَتِهِنَّ.
(فَحَسِّنْ) أَمْرُ إرْشَادٍ (إذَنْ) أَيْ حَيْثُ إنَّ النِّسَاءَ لُعَبٌ لَنَا فَيَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُحَسِّنَ لُعْبَتَك (مَهْمَا اسْتَطَعْت) يَعْنِي: اقْصِدْ الْحَسْنَاءَ فَتَزَوَّجْهَا وَلَا تَنْكِحْ الشَّوْهَاءَ (وَجَوِّدْ) مَهْمَا اسْتَطَعْت، أَيْ: اقْصِدْهَا جَيِّدَةَ الْخِصَالِ، مُشْتَمِلَةً عَلَى الْجَمَالِ وَالْكَمَالِ، مَعَ طِيبِ الْأَصْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ آنِفًا؛ تَظْفَرْ بِغَايَةِ الْآمَالِ، وَيُغَضَّ مِنْك الْبَصَرُ، وَيُعَفَّ الْفَرْجُ، وَتَقْتَصِرْ عَلَى الْمُبَاحِ، وَيَنْتِجْ لَك ذَلِكَ النَّجَاحَ.
قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ صَيْدِ الْخَاطِرِ: تَأَمَّلْت فَوَائِدَ النِّكَاحِ وَمَعَانِيَهُ وَمَوْضُوعَهُ فَرَأَيْت أَنَّ الْأَصْلَ الْأَكْبَرَ فِي وَضْعِهِ وُجُودُ النَّسْلِ، لِأَنَّ هَذَا الْحَيَوَانَ لَا يَزَالُ يَتَحَلَّلُ ثُمَّ يَخْلُفُ الْمُتَحَلِّلُ الْغِذَاءَ ثُمَّ يَتَحَلَّلُ مِنْ الْأَجْزَاءِ الْأَصْلِيَّةِ مَا لَا يَخْلُفُهُ شَيْءٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ فَنَائِهِ وَكَانَ الْمُرَادُ امْتِدَادُ أَزْمَانِ الدُّنْيَا جُعِلَ النَّسْلُ خَلَفًا عَنْ الْأَصْلِ وَلَمَّا كَانَتْ صُورَةُ النِّكَاحِ تَأْبَاهَا النُّفُوسُ الشَّرِيفَةُ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، وَمُلَاقَاةِ مَا لَا يَسْتَحْسِنُ لِنَفْسِهِ جُعِلَتْ الشَّهْوَةُ تَحُثُّ لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ.
ثُمَّ هَذَا الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ يَتْبَعُهُ شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ اسْتِفْرَاغُ هَذَا الْمَاءِ الَّذِي يُؤْذِي احْتِقَانُهُ، فَإِنَّ الْمَنِيَّ يَنْفَصِلُ مِنْ الْهَضْمِ الرَّابِعِ، فَهُوَ مِنْ أَصْفَى جَوْهَرِ الْغِذَاءِ وَأَجْوَدِهِ ثُمَّ يَجْتَمِعُ، فَهُوَ أَحَدُ