الرَّجُلُ مِنْ الْمَرْأَةِ الَّتِي يُرِيدُ نِكَاحَهَا مَا هُوَ عَوْرَةٌ يُشِيرُ إلَى مَا يَزِيدُ عَلَى الْوَجْهِ. وَمَنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَ الْعَقْدَ لِيَنْظُرَ كَيْفَ تَوَقَانُ النَّفْسِ، فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى الْعَاقِلِ تَوَقَانُ نَفْسِهِ لِأَجْلِ الْمُسْتَجِدِّ وَتَوَقَانِهَا لِأَجْلِ الْحُبِّ، فَإِذَا رَأَى قَلَقَ الْحُبِّ أَقْدَمَ. ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ إلَى عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ: مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ كُلُّ تَزْوِيجٍ عَلَى غَيْرِ هَوًى حَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
ثُمَّ يَنْبَغِي لِلْمُتَخَيِّرِ أَنْ يَتَفَرَّسَ الْأَخْلَاقَ فَإِنَّهَا مِنْ الْخَفِيِّ، فَإِنَّ الصُّورَةَ إذَا خَلَتْ مِنْ الْمَعْنَى كَانَتْ كَخَضْرَاءِ الدِّمَنِ، فَإِنَّ نَجَابَةَ الْوَلَدِ مَقْصُودَةٌ، وَفَرَاغَ النَّفْسِ عَنْ الِاهْتِمَامِ بِوُدٍّ مَحْبُوسٍ أَصْلٌ عَظِيمٌ يُوجِبُ إقْبَالَ الْقَلْبِ عَلَى الْمُهِمَّاتِ. وَمَنْ فَرَغَ مِنْ الْمُهِمَّاتِ الْعَارِضَةِ أَقْبَلَ عَلَى الْمُهِمَّاتِ الْأَصْلِيَّة وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» فَمَنْ قَدَرَ عَلَى امْرَأَةٍ صَالِحَةٍ فِي الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى فَلْيُغْمِضْ عَنْ عَوْرَاتِهَا وَلْتَجْتَهِدْ هِيَ فِي مُرَاضَاتِهِ، فَإِنْ خَافَ مِنْ وُجُودِ الْمُسْتَحْسَنَةِ أَنْ تَشْغَلَ قَلْبَهُ عَنْ ذَكَرِ الْآخِرَةِ أَوْ تَطْلُبَ مِنْهُ مَا يُوجِبُ خُرُوجَهُ عَنْ الْوَرَعِ وَيَدْخُلُ فِيمَا لَا يَجْمُلُ إذْ يَبْعُدُ فِي الْمُسْتَحْسَنَاتِ الْعَفَافُ فَلْيُبَالِغْ فِي حِفْظِهِنَّ وَسِتْرِهِنَّ فَإِنْ وَجَدَ مَا لَا يُرْضِيهِ عَجَّلَ الِاسْتِبْدَالَ فَإِنَّهُ سَبَبُ السُّلُوِّ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ كَغَيْرِهِ: يُسْتَحَبُّ نِكَاحُ دَيِّنَةٍ وَلُودٍ بِكْرٍ حَسِيبَةٍ جَمِيلَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، قِيلَ وَاحِدَةٌ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ كَمَا لَوْ لَمْ تُعِفَّهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ، فَإِنَّهُ قَالَ يَقْتَرِضُ وَيَتَزَوَّجُ لَيْتَ إذَا تَزَوَّجَ ثِنْتَيْنِ يَفْلِتُ. قَالَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي مُنَاظَرَاتِهِ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
وَأَرَادَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يَتَسَرَّى فَقَالَ يَكُونُ لَهَا لَحْمٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانَ يُقَالُ لَوْ قِيلَ لِلشَّحْمِ أَيْنَ تَذْهَبُ لَقَالَ أُقَوِّمُ الْمُعْوَجَّ. وَكَانَ يُقَالُ: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلْيَسْتَجِدْ شَعْرَهَا فَإِنَّ الشَّعْرَ وَجْهٌ فَتَخَيَّرُوا أَحَدَ الْوَجْهَيْنِ قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ النِّسَاءُ لُعَبٌ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَيَّرَ مَا يَلِيقُ بِمَقْصُودِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ نَذْكُرَ لَهُ مَا يَصْلُحُ لِلْمَحَبَّةِ، فَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:
حَسَنٌ فِي كُلِّ عَيْنٍ مَا تَوَدُّ
إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي فِي الْجُمْلَةِ أَنْ يَتَخَيَّرَ الْبِكْرَ مِنْ بَيْتٍ مَعْرُوفٍ بِالدِّينِ