كَلَامُ النَّجْدِيِّ غَيْرُ بَعِيدٍ، وَهُوَ فِي غَايَةِ التَّدْقِيقِ وَمَطْمَحُ نَظَرِهِ إلَى عِلَّةِ التَّحْرِيمِ، وَالْإِبَاحَةِ. وَنَحْنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ نُبَيِّنُ وَجْهَ مَأْخَذِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا الْإِمَامِ أَبِي الْمَوَاهِبِ، وَمَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ حُرْمَةِ مَا سُدِّيَ بِالْحَرِيرِ وَأُلْحِمَ بِغَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الظُّهُورُ لِلْحَرِيرِ: اعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْإِقْنَاعِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَيَحْرُمُ عَلَى رَجُلٍ، وَلَوْ كَافِرًا وَخُنْثَى لُبْسُ ثِيَابِ حَرِيرٍ إلَخْ، وَكَذَا مَا غَالِبُهُ حَرِيرٌ ظُهُورًا لَا إذَا اسْتَوَيَا ظُهُورًا وَوَزْنًا، أَوْ كَانَ الْحَرِيرُ أَكْثَرَ وَزْنًا وَالظُّهُورُ لِغَيْرِهِ، وَلَا يَحْرُمُ خَزٌّ، وَهُوَ مَا سُدِّيَ بِإِبْرَيْسَمٍ وَأُلْحِمَ بِوَبَرٍ، أَوْ صُوفٍ وَنَحْوِهِ. وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى: وَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ أُنْثَى حَتَّى كَافِرٍ لُبْسُ مَا كُلُّهُ، أَوْ غَالِبُهُ حَرِيرٌ، إلَى أَنْ قَالَ لَا حَرِيرٌ سَاوَى مَا نُسِجَ مَعَهُ ظُهُورًا (وَخَزٌّ) أَيْ وَلَا يَحْرُمُ خَزٌّ قَالَ: وَهُوَ مَا سُدِّيَ بِإِبْرَيْسَمٍ وَأُلْحِمَ بِصُوفٍ، أَوْ وَبَرٍ وَنَحْوِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «إنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ الْحَرِيرِ أَمَّا عَلَمُ وَسَدَى الثَّوْبِ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْأَثْرَمُ، وَكَذَا عِبَارَةُ الْغَايَةِ فَجَعَلُوا مَا نُسِجَ بِالْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ مَسْأَلَةً مُسْتَقِلَّةً وَهَذِهِ اعْتَبَرُوا فِيهَا الظُّهُورَ، فَمَا غَلَبَ ظُهُورُهُ كَانَ الْحُكْمُ لَهُ وَحِينَئِذٍ تَشْمَلُ ثَلَاثَ صُوَرٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُسَدَّى بِالْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ وَيُلْحَمَ كَذَلِكَ، أَوْ يُسَدَّى بِغَيْرِ الْحَرِيرِ وَيُلْحَمَ بِهِ، أَوْ يُسَدَّى بِغَيْرِ الْحَرِيرِ وَيُلْحَمَ بِهِ وَبِغَيْرِهِ. فَهَذِهِ الثَّلَاثُ صُوَرٍ نَعْتَبِرُ فِيهَا أَغْلَبِيَّةَ الظُّهُورِ، فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ ظُهُورًا الْحَرِيرَ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا.
ثُمَّ قَالُوا: وَلَا يَحْرُمُ خَزٌّ فَجَعَلُوهَا مَسْأَلَةً مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا غَيْرَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَعَطَفُوهَا بِالْوَاوِ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِيهَا الظُّهُورَ، بَلْ أَطْلَقُوا إبَاحَةَ مَا سُدِّيَ بِالْحَرِيرِ وَأُلْحِمَ بِغَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُ النَّجْدِيُّ مُرَادًا لَقَيَّدُوهُ بِمُلَاحَظَةِ قَيْدِ مَا تَقَدَّمَ، أَوْ كَانَ الشُّرَّاحُ نَبَّهُوا عَلَيْهِ. وَكَانَ الْأَصْوَبُ فِي عِبَارَاتِهِمْ تَأْخِيرَ هَذَا الْقَيْدِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ، فَكَانُوا يَقُولُونَ: وَيُبَاحُ الْخَزُّ وَمَا نُسِجَ مِنْ حَرِيرٍ وَغَيْرِهِ إذَا كَانَ غَيْرُ الْحَرِيرِ أَغْلَبَ ظُهُورًا، أَوْ كَانَ الْحَرِيرُ وَغَيْرُهُ سِيَّانِ. فَلَمَّا فَصَلُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَأَخَّرُوهَا عَنْ الْقَيْدِ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ غَيْرُ مُعْتَبِرِينَ هَذَا الْقَيْدَ.