مُسْتَتِرًا وَلُحْمَتُهُ ظَاهِرَةً، فَلَوْ ظَهَرَ السَّدَى وَاسْتَتَرَتْ اللُّحْمَةُ كَانَ كَالْمُلْحَمِ حُكْمًا فَلَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَوَاضِعُ مِنْ كَلَامِهِمْ: مِنْهَا مَا قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ: الْخَزُّ مَا سُدِّيَ، بِالْإِبْرَيْسَمِ وَأُلْحِمَ بِوَبَرٍ، أَوْ صُوفٍ وَنَحْوِهِ لِغَلَبَةِ اللُّحْمَةِ عَلَى الْحَرِيرِ انْتَهَى. أَيْ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا اسْتَتَرَ لَا يَغْلِبُ مَا ظَهَرَ، بَلْ الْحُكْمُ لِلظَّاهِرِ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ: إذَا اسْتَوَى الْحَرِيرُ وَمَا مَعَهُ ظُهُورًا أُبِيحَ. وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ مُوسَى فِي شَرْحِ الْآدَابِ: وَإِنْ نُسِجَ أَيْ الْحَرِيرُ مَعَ غَيْرِهِ، فَالْحُكْمُ لِلْأَكْثَرِ ظُهُورًا فَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ ظُهُورًا الْحَرِيرَ حُرِّمَ انْتَهَى.
فَانْظُرْ إلَى مَنَاطِ الْحِلِّ؛ إنَّهُ الظُّهُورُ فَقَطْ أَيْ لَا الْوَزْنُ وَلَا غَيْرُهُ، فَلَوْ كَانَ الْمُسْتَتِرُ كُلُّهُ حَرِيرًا، وَالظَّاهِرُ بَعْضُهُ وَبَرٌ وَبَعْضُهُ غَيْرُهُ لَكِنْ اسْتَوَيَا ظُهُورًا فَهُوَ مُبَاحٌ لِصِدْقِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ، وَهُوَ وَاضِحٌ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَمِنْهَا، وَهُوَ أَصْرَحُهَا، بَلْ الْعُمْدَةُ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ قُنْدُسٍ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ بَعْدَ كَلَامٍ ذَكَرَهُ عَنْ الِاخْتِيَارَاتِ فِي الْخَزِّ، وَالْمُلْحَمِ قَالَ: وَالْخَزُّ أَخَفُّ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ سَدَاهُ حَرِيرٌ وَالسَّدَى أَيْسَرُ مِنْ اللُّحْمَةِ، وَهُوَ الَّذِي بَيَّنَ ابْنُ عَبَّاسٍ جَوَازَهُ بِقَوْلِهِ، فَأَمَّا الْعَلَمُ مِنْ الْحَرِيرِ وَالسَّدَى لِلثَّوْبِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْخَزَّ ثَخِينٌ، وَالْحَرِيرَ مَسْتُورٌ بِالْوَبَرِ فِيهِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْحَشْوِ، قَالَ: وَالْخَزُّ اسْمٌ لِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: لِلْوَبَرِ الَّذِي يُنْسَجُ مَعَهُ الْحَرِيرُ، وَهُوَ وَبَرُ الْأَرْنَبِ، وَاسْمٌ لِمَجْمُوعِ الْحَرِيرِ، وَالْوَبَرِ، وَاسْمٌ لِرَدِيءِ الْحَرِيرِ، وَالْأَوَّلُ وَالثَّانِي حَلَالٌ وَالثَّالِثُ حَرَامٌ انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ النَّجْدِيُّ: فَقَدْ تَبَيَّنَ بِمَجْمُوعِ ذَلِكَ أَنَّ الْخَزَّ الْمُبَاحَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحَرِيرُ فِيهِ مَسْتُورًا وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ الْخَزُّ اسْمًا لِمَا سُدِّيَ بِالْإِبْرَيْسَمِ، وَلَوْ ظَهَرَ السَّدَى لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُلْحَمُ اسْمًا لِمَا أُلْحِمَ بِالْإِبْرَيْسَمِ، وَلَوْ اسْتَتَرَتْ اللُّحْمَةُ؛ لِأَنَّهُ عَكْسُ الْخَزِّ كَمَا تَقَدَّمَ، فَيُفْضِي إلَى تَحْرِيمِ ثَوْبٍ سُدِّيَ بِغَيْرِ الْحَرِيرِ وَأُلْحِمَ بِالْحَرِيرِ، وَالظَّاهِرُ كُلُّهُ غَيْرُ الْحَرِيرِ وَإِلَى إبَاحَةِ عَكْسِهِ، وَهُوَ ثَوْبٌ سُدِّيَ بِحَرِيرٍ وَأُلْحِمَ بِغَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ كُلُّهُ الْحَرِيرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْبُعْدِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ. وَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَمِنْهُ أَسْتَمِدُّ الْمَعُونَةَ وَالتَّحْقِيقَ: