تُوُفِّيَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَتَبَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي عِدَّةِ أَمَاكِنَ مِنْهَا مَا كَتَبَهُ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ عَلَى قَوْلِ الْمَاتِنِ: وَيُبَاحُ مَا سُدِّيَ بِإِبْرَيْسَمٍ وَأُلْحِمَ بِغَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ الْإِبْرَيْسَمِ مِنْ نَحْوِ صُوفٍ أَوْ قُطْنٍ. قَالَ: لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْحَرِيرُ مُسْتَتِرًا وَغَيْرُ الْحَرِيرِ هُوَ الظَّاهِرَ، وَإِلَّا بِأَنْ ظَهَرَ الْحَرِيرُ وَاسْتَتَرَ غَيْرُهُ فَهُوَ كَالْمُلْحَمِ الْمُحَرَّمِ، كَمَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَقُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ إبَاحَةُ الْخَزِّ دُونَ الْمُلْحَمِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، يَعْنِي م ص، وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ: الْمُلْحَمُ مَا سُدِّيَ بِغَيْرِ الْحَرِيرِ وَأُلْحِمَ بِهِ انْتَهَى. فَالْمُلْحَمُ عَكْسُ الْخَزِّ صُورَةً وَحُكْمًا، وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ نَحْوُ الثِّيَابِ الْبَغْدَادِيَّةِ مِمَّا يُسَدَّى بِالْحَرِيرِ وَيُلْحَمُ بِالْقُطْنِ، لَكِنْ مَعَ ظُهُورِ الْحَرِيرِ وَاسْتِتَارِ الْقُطْنِ، فَتَوَهَّمُوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْخَزِّ الْمُبَاحِ وَغَفَلُوا عَنْ شَرْطِ الْخَزِّ، أَعْنِي اسْتِتَارَ الْحَرِيرِ وَظُهُورَ غَيْرِهِ. وَهَذَا شَرْطٌ لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَوَاضِعُ مِنْ كَلَامِهِمْ كَمَا فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ لِابْنِ قُنْدُسٍ وَغَيْرِهَا. انْتَهَى. وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ الْإِمَامَ أَبَا الْمَوَاهِبِ وَأَصْحَابَنَا الشَّامِيِّينَ، وَكَذَا كَتَبَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي حَوَاشِي الْمُنْتَهَى وَلَمْ يُطِلْ الْكِتَابَةَ.، ثُمَّ إنَّهُ حَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ فِي رِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَسَأَذْكُرُهَا جُمْلَةً.
قَالَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ، وَالْحَمْدَلَةِ وَالتَّصْلِيَةِ: وَبَعْدُ، فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ فِي تَحْقِيقِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْخَزِّ، وَالْمُلْحَمِ مَعْنًى وَحُكْمًا، وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا مِنْ وُجُوهٍ:
الْأَوَّلُ: فِي الْخَزِّ، وَهُوَ كَمَا عَرَّفَهُ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ، وَالْمُنْتَهَى، وَغَيْرُهُمَا مَا سُدِّيَ بِإِبْرَيْسَمٍ وَأُلْحِمَ بِوَبَرٍ، أَوْ صُوفٍ وَنَحْوِهِ.
الثَّانِي: فِي الْمُلْحَمِ، وَهُوَ كَمَا فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ مَا سُدِّيَ بِغَيْرِ الْحَرِيرِ وَأُلْحِمَ بِهِ فَهُوَ عَكْسُ الْخَزِّ.
الثَّالِثُ: فِي حُكْمِهِمَا فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْخَزَّ الْمَذْكُورَ مُبَاحٌ، وَأَنَّ الْمُلْحَمَ حَرَامٌ، وَهَذَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَقُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ إبَاحَةُ الْخَزِّ دُونَ الْمُلْحَمِ وَغَيْرِهِ وَيُلْبَسُ الْخَزُّ وَلَا يُلْبَسُ الْمُلْحَمُ وَلَا الدِّيبَاجُ انْتَهَى.
(الرَّابِعُ) : أَنَّ قَوْلَهُمْ فِي الْخَزِّ مَا سُدِّيَ بِإِبْرَيْسَمٍ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ السَّدَى