الْخُدْرِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَ سُمِّيَتْ الْفَأْرَةُ فُوَيْسِقَةً؟ قَالَ: «اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَقَدْ أَخَذَتْ فَأْرَةٌ فَتِيلَةً لِتُحَرِّقَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيْتَ فَقَامَ إلَيْهَا وَقَتَلَهَا وَأَحَلَّ قَتْلَهَا لِلْحَلَالِ، وَالْمُحْرِمِ» .
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا قَدْرَ مَوْضِعِ دِرْهَمٍ» ، وَالْخُمْرَةُ هِيَ السَّجَّادَةُ الَّتِي يَسْجُدُ عَلَيْهَا الْمُصَلِّي سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تُخَمِّرُ الْوَجْهَ أَيْ تُغَطِّيه وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ فَذَهَبَتْ الْجَارِيَةُ تَزْجُرُهَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَعِيهَا فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ فَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدُلُّ مِثْلَ هَذِهِ عَلَى هَذَا فَتُحْرِقُكُمْ» ، ثُمَّ قَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِإِطْفَاءِ النَّارِ عِنْدَ النَّوْمِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ» . قَالَ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ وَلَيْسَ فِي الْحَيَوَانِ أَفْسَدُ مِنْ الْفَأْرِ لَا يُبْقِي عَلَى خَطِيرٍ وَلَا جَلِيلٍ إلَّا أَهْلَكَهُ وَأَتْلَفَهُ وَلَعَلَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّاهَا فُوَيْسِقَةً كَمَا سَمَّاهَا نُوحٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أَوْ يَكُونُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَى قَوْلَهُمْ بِحُرُوفِهِ، وَأَنَّهَا كَانَتْ تُعْرَفُ مِنْ حِينَئِذٍ بِالْفُوَيْسِقَةِ وَخَاطَبَ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِحَسَبِ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ بِتَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ.
فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «خَمِّرُوا الْآنِيَةَ، وَأَوْكِئُوا الْأَسْقِيَةَ وَأَجِيفُوا الْأَبْوَابَ وَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ لِلْجِنِّ سَيَّارَةً خَطْفَةً وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ، فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا أَخَذَتْ الْفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ» .
قِيلَ سُمِّيَتْ فُوَيْسِقَةً لِخُرُوجِهَا عَلَى النَّاسِ وَاغْتِيَالِهَا إيَّاهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ بِالْفَسَادِ. وَأَصْلُ الْفِسْقِ الْخُرُوجُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. وَمِنْ هَذَا سُمِّيَ الْخَارِجُ عَنْ الطَّاعَةِ فَاسِقًا يُقَالُ فَسَقَتْ الرُّطَبَةُ عَنْ قِشْرِهَا إذَا خَرَجَتْ عَنْهُ.