وَقَالَ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ وَإِذَا أَلْقَيْت الْقَمْلَةَ حَيَّةً أُورِثْت النِّسْيَانَ كَذَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي كَامِلِهِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَيْلِيِّ أَنَّهُ رَوَى بِإِسْنَادِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: سِتٌّ مِنْهَا النِّسْيَانُ: سُؤْرُ الْفَأْرِ، وَإِلْقَاءُ الْقَمْلَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ، وَالْبَوْلُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَقَطْعُ الْقِطَارِ، وَمَضْغُ الْعِلْكِ وَأَكْلُ التُّفَّاحِ الْحَامِضِ. وَيُحِلُّ ذَلِكَ اللِّبَانُ الذَّكَرُ» .
وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْجَاحِظُ بِقَوْلِهِ إنَّ أَكْلَ الْحَامِضِ وَسُؤْرِ الْفَأْرِ وَنَبْذَ الْقَمْلِ يُورِثُ النِّسْيَانَ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «أَنَّ الَّذِي يُلْقِي الْقَمْلَةَ لَا يُكْفَى الْهَمَّ» وَعِنْدَ الْعَامَّةِ أَنَّ لُبْسَ النِّعَالِ السُّودِ يُورِثُ النِّسْيَانَ، وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْإِحْسَانِ.
(وَ) (كَفَأْرٍ) بِالْهَمْزِ جَمْعُ فَأْرَةٍ قَالَهُ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ. وَقَالَ الْحَجَّاوِيُّ فِي لُغَةِ إقْنَاعِهِ تُهْمَزُ وَلَا تُهْمَزُ، وَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى، وَالْجَمْعُ فَأْرٌ مِثْلُ تَمْرَةٍ وَتَمْرٍ. قَالَ وَفَأْرَةُ الْمِسْكِ مَهْمُوزَةٌ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ فَارِسٍ فِي بَابِ الْمَهْمُوزِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: فَارَةُ الْمِسْكِ غَيْرُ مَهْمُوزٍ مِنْ فَارَ يَفُورُ. قَالَ الْحَجَّاوِيُّ: الْأَوَّلُ أَثْبَتُ.
وَفِي الْقَامُوسِ الْفَأْرُ مَعْرُوفٌ جَمْعُهُ فِئْرَانٌ وَفِئَرَةٌ كَعِنَبَةٍ، ثُمَّ قَالَ: وَنَافِجَةُ الْمِسْكِ وَبِلَا هَاءٍ الْمِسْكُ، أَوْ الصَّوَابُ إيرَادُ فَأْرَةِ الْمِسْكِ فِي " فَ وَرَ " يَعْنِي فِي مَادَّةِ " فَوَرَ " مِنْ الْفَوْرِ لَا فِي فَأَرَ فِي الْمَهْمُوزِ لِفَوَرَانِ رَائِحَتِهَا أَوْ يَجُوزُ هَمْزُهَا؛ لِأَنَّهَا عَلَى هَيْئَةِ الْفَأْرَةِ. وَقِيلَ لَأَعْرَابِيٍّ: أَتَهْمِزُ الْفَأْرَةَ؟ فَقَالَ: الْهِرَّةُ تَهْمِزُهَا، فَجَوَّزَ الْهَمْزَ وَعَدَمَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْمُرَادُ بِالْفَأْرَةِ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ فَأْرَةُ الْبَيْتِ، وَكَذَا الْجُرَذُ وَمِنْهُ الْخُلْدُ. وَفَأْرَةُ الْبَيْتِ هِيَ الْفُوَيْسِقَةُ الَّتِي أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِهَا فِي الْحِلِّ، وَالْحَرَمِ. وَأَصْلُ الْفِسْقِ الْخُرُوجُ عَنْ الِاسْتِقَامَةِ، وَالْجَوْرُ وَبِهِ سُمِّيَ الْعَاصِي فَاسِقًا، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتُ فَوَاسِقَ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ لِخُبْثِهِنَّ وَقِيلَ لِخُرُوجِهِنَّ عَنْ الْحُرْمَةِ فِي الْحِلِّ، وَالْحَرَمِ أَيْ لَا حُرْمَةَ لَهُنَّ بِحَالٍ.
وَقِيلَ سُمِّيَتْ الْفَأْرَةُ فُوَيْسِقَةً؛ لِأَنَّهَا عَمَدَتْ إلَى سَفِينَةِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَطَعَتْهَا. فَقَدْ رَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا سَعِيدٍ