وَاسْتَرْضَاهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ السِّجْنِ ثُمَّ دَعَاهُ فَهَدَّدَهُ بِقَطْعِ لِسَانِهِ إنْ عَادَ يَهْجُو أَحَدًا.
قُلْت: وَالْحُطَيْئَةُ هَذَا كَانَ هَجَّاءً حَتَّى إنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ هَمَّ بِهِجَاءٍ فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ فَقَالَ:
أَبَتْ شَفَتَايَ الْيَوْمَ إلَّا تَكَلُّمًا ... بِسُوءٍ فَمَا أَدْرِي لِمَنْ أَنَا قَائِلُهُ
أَرَى لِي وَجْهًا قَبَّحَ اللَّهُ خَلْقَهُ ... فَقُبِّحَ مِنْ وَجْهٍ وَقُبِّحَ حَامِلُهُ
فَهَجَا نَفْسَهُ، وَهَجَا أُمَّهُ بِقَوْلِهِ:
تَنَحَّيْ فَاجْلِسِي عَنِّي بَعِيدًا ... أَرَاحَ اللَّهُ مِنْك الْعَالَمِينَا
أَغُرْبَالًا إذَا اُسْتُوْدِعْتِ سِرًّا ... وَكَانُونًا عَلَى الْمُتَحَدِّثِينَا
حَيَاتُك مَا عَلِمْت حَيَاةُ سُوءٍ ... وَمَوْتُك قَدْ يَسُرُّ الصَّاحِبِينَا
وَهَجَا بَعْضُهُمْ امْرَأَةً فَقَالَ:
لَهَا جِسْمُ بُرْغُوثٍ وَسَاقُ بَعُوضَةٍ ... وَوَجْهٌ كَوَجْهِ الْقِرْدِ بَلْ هُوَ أَقْبَحُ
تَبْرُقُ عَيْنَاهَا إذَا مَا رَأَيْتَهَا ... وَتَعْبِسُ فِي وَجْهِ الْجَلِيسِ وَتَكْلَحُ
لَهَا مَضْحَكٌ كَالْحَشِّ تَحْسِبُ أَنَّهَا ... إذَا ضَحِكَتْ فِي أَوْجُهِ النَّاسِ تَسْلَحُ
إذَا عَايَنَ الشَّيْطَانُ صُورَةَ وَجْهِهَا ... تَعَوَّذَ مِنْهَا حِينَ يُمْسِي وَيُصْبِحُ
وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشُفِيَ وَاشْتَفَى» وَكَانَ يُصْنَعُ لَهُ مِنْبَرٌ يَقُومُ عَلَيْهِ فَيَهْجُو مَنْ هَجَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ.
وَمِنْ جُمْلَةِ شِعْرِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الذَّبِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
عَفَتْ ذَاتُ الْأَصَابِعِ فَالْجِوَاءُ ... إلَى عَذْرَاءَ مَنْزِلُهَا خَلَاءُ
دِيَارٌ مِنْ بَنِي الْحَسْحَاسِ قَفْرٌ ... تُعَفِّيهَا الرَّوَامِسُ وَالسَّمَاءُ
وَكَانَتْ لَا يَزَالُ بِهَا أَنِيسٌ ... خِلَالَ مُرُوجِهَا نَعَمٌ وَشَاءُ
فَدَعْ هَذَا وَلَكِنْ مَنْ لِطَيْفٍ ... يُؤَرِّقُنِي إذَا ذَهَبَ الْعِشَاءُ
لِشَعْثَاءَ الَّتِي قَدْ تَيَّمَتْهُ ... فَلَيْسَ لِقَلْبِهِ مِنْهَا شِفَاءُ
كَأَنَّ خَبِيثَةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ ... يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُ
إذَا مَا الْأَشْرِبَاتُ ذُكِرْنَ يَوْمًا ... فَهُنَّ لِطِيبِ الرَّاحِ الْفِدَاءُ