أن يصنع. فبيناهم ذات ليلة في لهوهم ذلك إذ سمعوا قائلاً من أقاصي الدار:

يا أيها الباني الناسي منيّته ... لا تأملن فإن الموت مكتوب

على الخلائق إن سُرّوا وإن فرحوا ... فالموت حتْفٌ لذي الآمال منصوب

لا تبنينّ دياراً لست تسكنها ... وراجع النسك كيا يغفر الحوب

ففزع لذلك وفزع أصحابه فزعاً شديداً وراعَهم ما سمعوا من ذلك فقال لأصحابه: هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا: نعم. قال: فهل تجدون ما أجد؟ قالوا: وما تجد؟ قال: أجد والله مَسْكة على فؤادي وما أراها إلا علة الموت قالوا: كلا بل البقاء والعافية.

فبكى ثم أقبل عليهم فقال: أنتم أخلائي وإخواني فماذا لي عندكم؟ قالوا: مُرْنا بما أحببت من أمرك. فأمر بالشراب فأهريق ثم أمر بالملاهي فأخرجت ثم قال: اللهم إني أشهدك ومن حضرني من عبادك أني تائب إليك من جميع ذنوبي نادم على ما فرطت في أيام مهلتي، وإياك أسأل إن أقلتني أن تتم نعمتك علي بالإنابة إلى طاعتك وإن أنت قبضتني إليك أن تغفر لي ذنوبي تفضلاً منك علي. واشتد به الألم فلم يزل يقول: الموت والله الموت والله حتى خرجت نفسه ... فكان الفقهاء يرون أن مات على توبة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015